منه، وكان آخر الأمرين من النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الإذن بالكتابة؛ فكتب كثير من الصحابة هذه الأحاديث كانت تتناقلها الأمة بين علمائها الكبار عن طريق الرواية بالمشافهة، وأيضًا عن طريق الصحف المكتوبة، ونحن لم ينتصف القرن الثاني الهجري إلا وقد وجدت لدينا مصنفات، وأبرز مثال على ذلك (موطأ الإمام مالك) المتوفى سنة 179 - رحمه الله تعالى- (سيرة ابن إسحاق) وهو متوفى سنة 151 أو 152 على خلاف في سنة وفاته، كانت قد كتب المصدر الذي اعتمد عليه الناس بعد ذلك في السنة، يعني: تميزت العلوم وصنِّف فيها، بل وصلنا إلى عصر النضوج العلمي بالمصنفات الكاملة.
إذن تطور المجتمع لا علاقة له بإضافة أحاديث كذب، بل إن هذا التطور ظل محكومًا في عصور الإسلام الأولى، وفي نقائه وصفائه بالأدلة الشرعية المأخوذة من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- والأدلة على ذلك كثيرة ويكفي أن نشير إلى ما ذكره فضيلة الشيخ مصطفى السباعي عليه رحمة الله ورضوانه من أن هذه الأمة كانت أحكامها واحدة، وعبادتها واحدة، وأسرهم واحدة لم يفرق بين الأمة في شيء، ولم توضع قوانين مثلًا في المغرب تناسب البيئة المغربية، وقوانين في مصر مثلًا تناسب البيئة المصرية، وقوانين في أفغانستان تناسب البيئة الأفغانية، كل يحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وقيام المذاهب الذي يحاول أن يستدل به البعض في هذه الفترة، إنما هي تأخذ من القرآن والسنة. هذه العبارة تقريبًا وردت عن أئمتنا الكبار الذين يعول عليهم في أمور الدين: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، و"كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر -صلى الله عليه وسلم-" المشروعية هي للقرآن الكريم ولسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
رغم التطور الهائل في حياة الأمة لا تجد أمرًا استُجدَّ ويستدلون عليه بالقرآن