الأخبار، لم يشكوا أبدًا من خبر أبي موسى، ولم يشك الصديق في خبر المغيرة، ولم يشك النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذي اليدين؛ إنما أرادوا التأكد فقط؛ فهل بعدما شهد شاهد مع أبي موسى أو مع المغيرة أصبح الخبر متواترًا؟! لا، لا يزال خبر آحاد كما هو؛ لأنه من رواية اثنين فقط، ورواية اثنين -باتفاق الجميع- من أخبار الآحاد، وليس من أخبار التواتر.
خصوصًا أن المواقف الثلاثة التي أشرنا إليها تحمل أحكامًا شرعية في قصة ذي اليدين.
أيضًا ميراث الجدة، القرآن على تفصيله في آيات المواريث لم يذكره؛ ولأن قصة الجدة نادرة، يندر أن تظل الجدة حية إلى أن ترث حفيدها؛ فيكون الخبر ليس معروفًا عند كثير من الصحابة ... هذا أمر وارد جدًّا؛ فلذلك أراد الصديق -رضي الله عنه- أن يستوثق؛ لأن هذا أيضًا حكم شرعي، وكذلك الأمر في قصة أبي موسى، ويتضمن حكمًا بأن الذي يستأذن ثلاث مرات ولم يؤذن له؛ فليرجع.
إذن، الاستدلال أيضًا بهذه النصوص ليس استدلالًا قويًّا؛ بل هو ضعيف ومتهافت -كما ذكرنا- والعلماء الذين ذكروا هذا ذكروا أدلةً كثيرة على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن الصحابة -رضوان الله عليهم- قبلوا كثيرًا جدًّا من أخبار الآحاد.
ونأتي الآن إلى أدلة الإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله تعالى- في (الرسالة) عقد فصلًا ممتعًا تحت عنوان: الحجة في تثبيت خبر الواحد: ذكر فيه مجموعة من الأدلة الكثيرة جدًّا ربما تقترب من ثلاثين دليلًا لإفادة خبر الواحد أو لحجيته ووجوب العمل به، وكل العلماء الذين تكلموا في هذا: الشيخ الألباني عليه -رحمه الله- له كتاب في هذا ... الشيخ أحمد شاكر له كتاب في هذا ... وكثير من العلماء.