نشير إلى العمدة في هذا وهو كتاب (الرسالة) للإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-:
يقول -رحمه الله-: فإن قال قائل: اذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنصّ خبر أو دلالة فيه أو إجماع -يعني: بنص خبر صريح، أو خبر يدل على هذا ولهدلالة التزامية أو تضامنية أو ما شاكل ذلك أو بإجماع- فقلت له: أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((نضّر الله عبدًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأدّاها؛ فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ... )) إلى آخر الحديث.
الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- هنا يروي بإسناده، ورواه الترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على ترديد السماع، وقال عن حديث عبد الله بن مسعود هذا: حسن صحيح، ورواه أيضًا من حديث زيد بن ثابت، وقال عنه: حديث حسن، ورواه أبو داود في كتاب العلم، باب نشر العلم، ورواه غيرهم كثير.
وجه الدلالة من النص -كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى-: فلما ندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرأً يؤديها والامرؤ واحد، دل على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدي إليه؛ لأنه إنما يؤدى إليه حلال يفعل وحرام يجتنب وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ونصيحة في دين ودنيا -يعني: أحكام الشرع كلها تنقل- ودل على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه يكون له حافظًا ولا يكون فيه فقيهًا، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين -إن شاء الله- لازم.
ويستطرد الإمام الشافعي -رحمه الله تبارك وتعالى- يقول: أخبرنا سفيان، قال: أخبرني سالم أبو النضر: أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يخبر عن أبيه قال: قال