يوم القيامة واقع لكانت غلبة الظن هذه كافية في أن يحسنوا الاستعداد لهذا اليوم وألا يفعلوا ما فعلوه من مخالفات جسيمة حين طففوا الكيل والميزان؛ ألا يعتقدون يومًا سيحاسبون فيه على تطفيف الميزان وغيره؟! هذا الظن أو هذا الاعتقاد عبر عنه القرآن الكريم بقوله: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ}.
الخلاصة: أن الظن في هذا الفهم درجة من درجات العلم القوية التي، حتى وإن لم تصل إلى درجة اليقين؛ فهي كافية لأن ينتسب العبد إلى مضمون الخبر الذي غلب على ظنه بأنه صحيح، وهناك من العلماء من فسّر بأن الظن هنا: هو اليقين، وقالوا كذلك: الظن بمعنى اليقين، وسواء هذا أو ذاك؛ فهي اجتهادات في تفسير الآية.
ونخلص من ذلك كله إلى أن الاستناد إلى الآية: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} إنما هو استنادٌ إلى فهم خاطئ في معنى الظن ... واضح جدًّا من السياق هنا أنه الوهم، أو الذي ليس له أي درجة من الصدق أو الحجية.
فسياق الآية واضح في أن الظن هنا ليس هو الظن الذي عرفه الأصوليون بأنه: ترجيح أحد الاحتمالين، أو العمل بالقول الراجح؛ وإنما هو الظن المرادف للوهم الذي لا يَعتمد على أي دليل ولا حتى شبهة دليل؛ وإنما يخرف به أصحابه من غير استناد إلى آثارة من علم أو برهان حتى ولو كان ضعيفًا.
إذن هذا الدليل وأمثاله مما حاولوا أن يستدلوا به على أن خبر الآحاد لا يُعمل به لإفادته الظن مردودٌ عليه -كما وضح من القول.
أما ما ذكر من استدلالهم بقصة ذي اليدين التي أشرنا إليها وبقصة عمر -رضي الله تبارك وتعالى عنه- في قصة الاستئذان مع أبي موسى، وفي قصة ميراث الجدة كلها لا تدل على ما ذهبوا إليه.
أولًا: الصحابة كلهم عدول، وأبو موسى عدل من العدول الكبار في عالم الصحابة، وذو اليدين أيضًا؛ إنما الصحابة -رضوان الله عليهم- علمونا التثبت في رواية