وذكره الزمخشري -رحمه الله تعالى- في (الكشاف) عند تفسيره لهذه الآية، رأيًا ثانيًا، لكنه لم يستبعده كما استبعده ابن كثير وكما استبعده الألوسي، وفي تفسير أبي السعود -رحمه الله تعالى- المسمى بـ (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) ذكره أيضًا ولم يستبعده، وذكره الفخر الرازي -رحمه الله تعالى- في تفسيره الموسوم بـ (التفسير الكبير ومفاتح الغيب)، ونسَبَه إلى الفرّاء وقال: زاد أيضًا، وقوّى ابن الأنباري هذا القول؛ يعني: ابن الأنباري قوى القول بأن مرجع الضمير يعود أيضًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- واعتبره رأيًا قويًّا، ونقل الفخر -رحمه الله- في تفسيره قول ابن الأنباري هذا.
إذن نحن أمام جملة من العلماء، وإن كان بعضهم قد استبعد إلا أنهم ذكروه رأيًا من بين الآراء في الآية، يعني: هذه الأقوال من قديم ليست من واردة اليوم وليست من فهمنا نحن؛ حتى يتهمنا البعض بأننا ندافع عن السنة بتعسف، هي أقوال قديمة موجودة: أن المراد بالحفظ أيضًا للقرآن وللنبي -صلى الله عليه وسلم- وكما قلنا: من المعلوم بداهة أن حفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- يستلزم حفظ سنته، وإلا فإن الباب لم يغلق أمام سخرية الساخرين ومعاندة المعاندين، وجحود الجاحدين إذا بقيت السنة من غير حفظ على زعمهم.
وعلى فرض أن المراد بالذكر في الآية -كما قلنا- هو القرآن الكريم فقط؛ فإننا نؤكد أن حفظ القرآن بالضرورة يستلزم حفظ السنة، وأنه لا معنى لحفظ السنة بدون حفظ القرآن الكريم، وهذا أمرٌ من البداهة بوضوح؛ بحيث لا نقف عنده كثيرًا.
على أنه أيضًا توجد أدلة أخرى من القرآن الكريم في حفظ السنة، من ذلك: قوله -تبارك وتعالى- في سورة القيامة عن القرآن الكريم: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة: 16 - 19) قد يقال: إن آية الحجر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}