وحفظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحفظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَستلزم بالضرورة حفظ سنته، حفظ ما قاله، يعني: كيف يحفظ هو في ذاته فقط من الاتهامات؟ إنما أيضًا يحفظ من الاتهامات الظالمة؛ من اتهامه بالجنون، من أن ما جاء به ليس من عند الله، بأنه لا ينطق عن الحق ... إلى آخر ما اتهموه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} حفظ للقرآن الكريم، وحفظ لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ابن جرير -رحمه الله تعالى- في تفسيره قال: الضمير في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} يعود على محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه، هذا رأي أورده بعد أن بيّن أيضًا أن: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي: يعود على القرآن الكريم أيضًا في المقام الأول، ونزيد نحن في استدلال ابن جرير نقول: حفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقتضي حفظ سنته، هذا من البدهيات، وإلا فلا معنى لحفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عدم حفظ سنته؛ لأن الباب للتشنيع عليه ولاتهامه وللسخرية منه سيظل مفتوحًا ما لم تُحفظ سنته بحفظ الله -تبارك وتعالى-. أيضًا هذا الرأي -أي: الضمير في عودته على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاله الألوسي -رحمه الله تعالى- ونسبه إلى الفراء، وقال -النقل عن الفراء-: وإنا للنبي الذي أنزل عليه الذكر لحافظون من مكر المستهزئين، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة: 67) يقول الألوسي: والمعول عليه الأول -أي: الرأي الأول- في أن المراد به القرآن، وابن كثير أيضًا ذكر هذا الرأي في تفسيره.
يقول -رحمه الله تعالى-: ومنهم من أعاد الضمير في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} على النبي -صلى الله عليه وسلم- كقوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} والمعنى الأول أولى؛ أي: المعنى الأول أن المراد به القرآن وهو المناسب للسياق.
انتهى كلام ابن كثير.