هو الحق ولا حق سواه، {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29)، {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (يونس: 32) كيف؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: 24) أشرنا في الدروس السابقة إلى قول الصحابي الجليل: "نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أمرٍ كنا نرى فيه خيرًا، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير وأرشد" نعم خير وأرشد وأنجح، وأكثر سعادة وتوفيقًا وهداية، طريق الهدى الذي عصم الله به البشرية من التردِّي في مهالك الرذيلة، ومن السير في طريق الغواية والضلالة، والظلمات والجهالة، كشف الله كل ذلك بمنهج الإيمان المتمثّل في القرآن الكريم، وفي السنة المطهرة.

ولذلك كان نسق الآية عجيبًا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب: 36) كان من الممكن مثلًا أن يكون التعبير القرآني: وما كان لرجل وامرأة أو لذكر وأنثى أو لبشر إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. إنما آثر القرآن الكريم التعبير بوصف الإيمان، هل يوجد مؤمن في الدنيا تردُ على ذهنه المقارنة بين حكم الله -تبارك وتعالى- والنبي -صلى الله عليه وسلم- وبين حكم غيرهما؟ مستحيل، ولذلك اختار الله -عز وجل- صفة الإيمان التي تنبّه المؤمن العاقل الرشيد إلى أنه لا يجوز له أبدًا أن يُقارن هذه المقارنة الظالمة الآثمة التي قد تؤدِّي بصاحبها إلى الهلاك والتردِّي والعياذ بالله، ولذلك أيضًا ختم الله -تبارك وتعالى- بقوله -عز من قائل-: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} وكأن ختام الآية بوصف المعصية بالضلال؛ لتبين لنا أن مجرد الاختيار، أو أن يرد على الذهن اختيار أو ترد مقارنة، هذه في حد ذاتها معصية، حتى لو انتهى المؤمن بعد ذلك إلى اختيار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015