لا يغرنك صبري ... واحتمالي منك ما بي
فالأسى بين ضلوعي ... والضني بين ثيابي
وله في ذم مغن:
غنى فكد وعنى ... مني فؤاد معنى
قلت: ماذا غناء ... تنح بالله عنا!
وله:
ما روضةٌ بالحزن ممطورةٌ ... لم تنتهبها أعين الناس
بكى عليها الغيث فاستضحكت ... عن نرجس غض وعن آس
أحسن من وجه أبي طاهر ... وإن رمى قلبي بوسواس
وله في صفة الليل الطويل:
وليل كأن الحشر أول ساعة ... به بته والصبر ليس بنافعي
غنائي به لحن "الثقيل" من الأسى ... وشربي
وإن أظمأ
كؤوس مدامعي
فيا لك من ليلٍ أضاق مذاهبي ... وإن بت في ثوبٍ من الحزن واسع
[شاعر دهره، وواحد عصره] مولده بصقلية في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وخرج عنها لما تغلب الروم عليها في سنة أربع وستين وأربعمائة قاصداً المعتمد محمد بن عباد فمدحه [وحظي بصلاته] .
من ذلك قوله من قصيدة مدحه بها أول ما لقيه في ربيع الأول سنة خمس وستين وأربعمائة:
أحادينا هذا الربيع فخيم ... وأمنية المرتاد والمتيمم
وحط به عن ناجيات كأنها ... قسي رمت منا البلاد بأسهم
ومنها:
يشاهد أسرار الزمان جليةً ... بفطنة مدلول البصيرة ملهم
أياد أبانت عنه وهي صوامت ... ورب مبين ليس بالمتكلم
فلا الغرض الأقصى عليه بعازبٍ ... بعيد ولا المعتاص عنه بمبهم
وقال:
تخشى بوادره والحلم حاجزها ... إن السيوف لتخشى وهي في القرب
ويضرب الذكر صفحاً عن مواهبه ... كأنه لم يجد يوماً ولم يهب
وأولها:
اهجر رشادك في وصل ابنة العنب ... ولا تعقن أم اللهو والطرب
متع شبابك واستمتع بجدته ... فهو الحبيب إذا ما بان لم يؤب
من ضيع اللهو في بدء الشباب طوى ... كشحا على أسف لم يغن في العقب
والحلم قيد فدعه واخط في مرح ... والجد داء فداو النفس باللعب
واللهم للنفس شيطان يوسوسها ... فاقذفه من أنجم الصهباء بالشهب
بكر حصانٌ إذا ما الماء واقعها ... أبدت لنا زبداً من سورة الغضب
كادت تطير نفاراً حين لامسها ... لولا الشباك التي صيغت من الحبب
وقال:
وما لحظت عيناي في الدهر قبله ... فريداً أرى كل الورى منه وحده
ومن معجزات المجد والفضل أنني ... أشاهد منه الضد ينصر ضده
دنا كرماً لما تباعد رفعة ... دنو الغمام المستهل وبعده
أقرت له هام الأعادي فحالفت ... قلوباً عرفن الحق واعتدن جحده
وقال:
أبهى المناظر في عيني وأحسنها ... كأس بكف رخيم الدل سحار
كأنه إذ يسقى سادة زهرا ... نجم يوزع شمساً بين أقمار
وقال:
كأن فجاج الأرض يمناك إن يسر ... بها خائف تجمع عليه الأناملا
فأنى يفر المرء عنك بجرمه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا
وقال:
لما لقوا جيشك المنصور منتظما ... ظلت رؤوسهم بالبيض تنتشر
أولغت شبلك في الهيجا دماءهم ... حتى تورد منه الناب والظفر
إن الدماء لمكروه مغبتها ... لكنها عند آساد الوغى هدر
وقال:
وإني لأستشفي بطيف مسلم ... يبل غليلي باللقاء ويبرد
وما خاف طيف في الزيارة رقبة ... ولكن رقيب الطيف طرف مسهد
وهل في ضمير الدهر للقرب عودة ... فتغني كما كنا، أم الصبر أعود؟
ليالي ترضينا الليالي كأنها ... إلينا بإهداء المنى تتردد
همام يجر الجيش جماً عديده ... لأرض الأعادي زائر متعمد
كأن الضحى يعتل منه فيكتسي ... شحوباً وعين الشمس تقذى وترمد
فقل هو ليل في الظهيرة مظلم ... وقل هو بحر في البسيطة مزبد
كأن الردى فيه تضل نفوسهم ... فيهديه من صوت القواضب منشد
نجوت فعمري مستجد وإنما ... نجاة الفتى بعد المخافة مولد
وأحسنت الأيام حتى كأنما ... تنافس في الإحسان يومي والغد
وقال:
عرفت فودعت الصبا والغوانيا ... وقلت لداعي الحلم لبيك داعيا