الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة
أحد قضاة الجزيرة المشهورين بالكرم والإنعام، المذكورين بكثرة الصواب في الأحكام، وله مع ذلك شعر كثير، وترسل غزير، فمن ذلك قوله في صباه:
كتبت لما فنى دمعي ومصطبري ... إليك أشكو صباباتي وأسقامي
ما زال تبكي لما تمليه من حرقي ... عليك مقلة قرطاسي وأقلامي
كثير النوادر من شعره [وقد رأى] رجلاً أحدب قد علا إنساناً:
رأيت اليوم محمولاً ... وأعجب منه من حمله
جمال الناس تحملهم ... وهذا حامل جمله
من شعره قوله من قصيدة أولها:
أي طيف من لامعات البروق ... بات يسري بين الحمى والعقيق
يقول فيها:
لا وبرق الثغور والشبم العذ ... ب من الريق والرضاب الرحيق
ما عققت العقيق لكن دموعي ... لفراق العقيق مثل العقيق
أنا صب إلى الحمى مستهامُ ... بمهاة النقى وريم الشقيق
أنشدت له:
ترفق بنفسك لا تضنها ... بحرصٍ فحرصك لا ينفع
فكم عاجز واسعٍ ماله ... وكم حازمٍ فقره مدقع
من شعره:
شنئت البيض إذ أشبهن شيبي ... ويا بأبي التي ملكت فؤادي
وهل يختار ذو عقل ولب ... بياض المقلتين على السواد
زين الأدباء، وغرة الفهماء له:
في السمهري مشابه ... ممن أحب وأعشق
اللون، والقد الرشي ... ق، وطرفه إذ يرمق
قلبي لسهم لحاظه ... غرض ففيه يرشق
وسألته أن ينفذ إلي بشيء من شعره في حين تأليف الكتاب، فكتب إلي:
أبا قاسم والفضل فيك سجية ... وأنت بكل المعلوات خليق
ومن مجده فوق السماك محلقٌ ... ومنصبه في المكرمات عريق
تكلفني إظهار ما قد نظمته ... ليالي غصني ناضر ووريق
وإذ لمتي تحكي خوافي ناعب ... وعندي لوصل الغانيات طريق
فكن ساتراً عورات خلك إنه ... شقيقك، والخل الصديق شقيق
وله في المجون:
احتل لأيرك في درع مضعفة ... فبين فخذيه أرماح من الشعر
وله:
عجبت لنوار الأقاحي إذ بدا ... في عارضي ورأته قبل بنفسجا
لا تعجبي مما ترين فإنما ... يبدو ضياء الصبح في إثر الدجى
وله في الغزل:
وذي مقلة كحلاء من غير ما كحل ... رماني بسهم من جفون لها نجل
يضارع أم الخشف جيدا ومقلة ... ويفضلها في الحسن والدل والشكل
أعار العوالي طرفه وقوامه ... ولونا يزيد القلب خبلاً على خبل
بوجهٍ يريك الشمس في غصن بانةٍ ... على كفل يحكي الكثيب من الرمل
صاحب الشرطة، له:
خليلي مالي قد حرمت التدانيا ... وأصبحت على وصل الأحبة نائيا
وما كان لي صبر على الوصل ساعة ... فها أنا في بين سنين ثمانيا
رعى الله أحباباً وقرب دارهم ... وبلغ مشتاقاً وأطلق عانيا
له:
ولما رأيت الناس لا خير عندهم ... صددت وبيت الله عن صحبة الناس
وصرت جليس الفكر ما دمت فيهم ... وأعملت حسن الصبر فيه مع الياس
وله:
سأكرم نفسي جاهداً وأصونها ... وإن فرحت من ناظري جفونها
ولست بزوار لمن لا يزورني ... ولا طارحاً نفسي على من يهينها
وله:
إذا ما أراد المرء إكرام نفسه ... رعاها ووقاها القبيح وزينا
وإن هو لم يبخل بها وأهانها ... ولم يرعها كانت على الناس أهونا
وله في إفشاء السر:
حدثت خلي بهم ... رجوت منه انفراجي
وكان سري لديه ... كالنار، والليل داج
وله:
أيها الخائف المكا ... ره وطنلها الحشا
رب أمر كرهته ... نلت فيه الذي تشا
أحد فقهاء صقلية ونبلائها، وكان أديباً شاعراً، ظريفاً.
له: