فهذه الآية فيها: رد على القدرية النفاة وعلى القدرية المجبرة وإثبات للحق الذي عليه أهل السنة والجماعة.
فقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} أثبتت أنه لهم مشيئة حقيقية وفعلا حقيقيا وهو الاستقامة باختيارهم.
فهذا رد على الجبرية.
وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أخبر أن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله، وأنها لا توجد بدونها.
فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
ففيها رد على القدرية القائلين: إن مشيئة العباد مستقلة، وليست نابعة لمشيئة الله.
بل عندهم: يشاء العباد ويفعلون ما لا يشاؤه الله ولا يقدره.
ودلت الآية على الحق الواضح، وهو: أن العباد هم الذين يعملون الطاعات والمعاصي حقيقة، وليسوا مجبورين عليها.
وأنها مع ذلك تابعة لمشيئة الله، كما تقدم كيفية وجه ذلك.
والآيات الدالات على هذا كثيرة جدا.
فهذه إحدى الطوائف الثلاث المخاصمين لله؛ فإنهم أنكروا عموم مشيئته وقدره، وجحدوا ما قرره الله في كتابه، وعلى لسان رسوله من شمول قدره لكل شيء. فزعموا: أن أفعال العباد خارجة من هذا العموم.