{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [سورة النساء آية: 63] : أمر الله نبيه بالإعراض عن المنافقين وإغلاظ القول عليهم، ولا يلقاهم بوجه طلق، بل يلقاهم بوجه عابس مكفهر، متغير من الغيظ.
فإذا كان هذا مع المنافقين الذين هم بين أظهر المسلمين، يصلون ويصومون ويحجون، ويجاهدون، فكيف بمن سافر إلى المشركين، وأقام بين أظهرهم أياما وليالي؟!
قلت: بل أشهرا وسنين مطمئنا، مستأذنا عليهم في بيوتهم، متعلما منهم مكثرا لهم التحية، ملينا لهم الكلام، وليس له عذر إلا طلب العاجلة؛ ولم يجعل الله الدنيا عذرا لمن اعتذر بها، كما نبه الله على ذلك في كتابه.
وفي حديث طويل قال: "لا يحملنكم الشيطان باستبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته".
ولما نهى الله أن يقرب المشركون المسجد الحرام، قال: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [سورة التوبة آية: 28] ، فلم يعذر الله بالفقر والفاقة، والحاجة إلى ما في أيدي الكفار، وأخبر أنه {هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [سورة الذاريات آية: 58] .
وغاية ما عند الموالين الاعتذار بالحاجة، وما كان ذلك عذرا صحيحا كما بين الله في كتابه وعلى لسان رسوله.
فيا حسرة على العباد الذين عرفوا التوحيد، ونشؤوا