الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له في مساكنة مشرك، بل أذن له في سكنى البادية فقط، وأن يحل حيث شاء ولا يجني إلا على نفسه؛ وقد أشار إلى ذلك، ما رواه البخاري عن الصعب بن جثامة مرفوعا:"لا حجر إلا لله ورسوله " 1. هذا معنى حديث نهيك وما في معناه من الأخبار، أن أهل الجاهلية كان لهم حدود حجر، يمنعون منه من شاؤوا، وقد أبدل الله ذلك بالإسلام، لأن الإسلام يقتضي السلامة، ويأمن به كل أحد.
ولما ساق العلامة ابن القيم القصة بطولها وفي آخرها: قلت: يا رسول الله: على ما أبايعك؟ فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده، وقال: " على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال المشركين، وأن لا تشرك بالله شيئا، قلت يا رسول الله: وإن لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده، وظن أني مشترط ما لم يعطه، قال: قلت نحل منها حيث شئنا، ولا يجني امرؤ إلا على نفسه " 2.
قال في الكلام عليه، وقوله في عقد البيعة: " وزيال المشرك " 3 أي: مفارقته ومعاداته، فلا تجاوره ولا تواله، كما في حديث السنن " لا تراءى ناراهما " 4 انتهى كلام ابن القيم بحروفه.
وقوله في الحديث: "نحل منها حيث شئنا" 5 مع قوله: "وزيال المشركين" بالميم، يبين لك مراد الشارع. فانظر إلى هذا المجيز - عافانا الله - يحتج بما هو حجة عليه، ويقول ذكره ابن القيم في الهدى؛ وأما استدلاله بقصة هجرة الحبشة، فهو من إحدى الرزايا، وعكس القضايا، ولا أعلم أحدا سبقه