وأما حديث الأعرابي فقد تقدمت الإشارة إليه، وأنه من القضايا العينية المتعلقة بالأشخاص والأحوال والأزمان. قال القرطبي على حديث الأعرابي: يحتمل أن يكون ذلك خاصا بهذا الأعرابي لما علم من حاله، وضعفه عن المقام بالمدينة، أشفق عليه صلى الله عليه وسلم وكان بالمؤمنين رحيما، انتهى.
ومن المعلوم: أن هذه القضية إن كانت بعد الفتح، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره، لما فتح مكة:" لا هجرة بعد الفتح " 1، فعلم أنه قبل الفتح، والهجرة واجبة إليه بالإجماع؛ ولم يفهم أحد أن قصة هذا الأعرابي أبطلت حكم الهجرة، وإن كانت بعد الفتح، فالجواب عنها هو الجواب عن الحديثين قبلها.
ووجه آخر، وهو: أن لأول الإسلام من اللين والهوادة ما ليس لآخره؛ وقد تقدم لك حديث جرير، ومعاهدته النبي صلى الله عليه وسلم على مفارقة المشركين، وقد تأخر إسلامه.
وبالجملة: فليس في حديث الأعرابي ولا غيره من الأحاديث - ولو كانت صحيحة - ما يدل على مساكنة مشرك البتة، بل هي صريحة في سكنى البادية لمن أسلم ولم يهاجر، ولم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم اعمل في القرى، لأن القرى إذ ذاك لم تكن بلاد إسلام، ولكن قال له: اعمل من وراء القرى، أي: اعبد الله، وحل منها حيث شئت، وأنت على هجرتك، رفقا به.
وأما حديث نهيك بن عاصم، فإنه لا يدل على أن