قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: في اقتضاء الصراط المستقيم - لما ذكر النهي عن مشابهة المشركين -: وقريب من هذا: مخالفة من لم يكمل دينه من الأعراب، لأن كمال الدين بالهجرة، فكان من آمن ولم يهاجر من الأعراب ونحوهم ناقصا.
الرابع: أن قوله: هاجر أو جلس، هو معنى قوله: جاهد أو جلس; يدل على ذلك: ما رواه النسائي وغيره، عن أبي الدرداء مرفوعا: " من أقام الصلاة وآتى الزكاة، ومات لا يشرك بالله شيئا، كان حقا على الله أن يغفر له، هاجر أو مات في مولده " 1، فقلنا يا رسول الله: أفلا نخبر الناس فيستبشروا، فقال: " إن للجنة مائة درجة، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله " 2 الحديث، ثم قال النسائي بعده: ما لمن آمن وهاجر وجاهد؟ يعني من الأجر.
فدل على أن الهجرة هناك بمعنى الجهاد، وقد جاء في رواية البخاري بلفظ:" جاهد في سبيل الله أو جلس " 3، وترجم له في الجهاد لأنها تطلق أيضا ويراد بها الجهاد، كما روى أحمد عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه مرفوعا: "أي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد".
فتبين على كلا التقديرين أن المقصود إثبات الإيمان لمن أسلم ولم يهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجاهد، وإن انتفى كماله; فمن أين له: أن الحديث يدل على جواز الإقامة بين ظهراني المشركين؟ ومن درأ بمثل هذه المحتملات في نحر ما تقدم من