ثم إن القضايا العينية مقصورة على مواردها، لا يقاس عليها، ولا تعارض النصوص بوجه عند الأصوليين; ثم لو كان المعارض مساويا، فقد قرروا أن المساوي مدفوع، فكيف بما هو دونه؟ قال الرصفي في آداب البحث:

فإن يكن مساويا فيدفع وإن يكن أخص ليس ينفع

وكل ما ذكرنا يجري في مسألتنا عند التأمل والتفصيل؛ فليعرض المجيز بضاعته على هذا الأصل، الذي يسلمه أئمة النقل، وإن لم يتخلص منه فلا يدعي ما ليس له، وليتعلم ثم ليتكلم.

وليته جمع بين النصوص المتقدمة، وبين ما يستدل به، ولم يضرب الصريح الصحيح بتلك المحتملات، وأعطى كل ذي حق حقه، فلم ينف وجوب الهجرة عن كل أحد، وقوفا مع المنع، ولم يوجب الهجرة على كل أحد، وقوفا مع الرخصة بشروطها، فإنه خير من الإطلاق المتكرر في عباراته، وأحسن عاقبة وأخف ضررا.

وأما الجواب المفصل: فقوله عن المانع: أنه استدل بعمومات أحاديث مع ما فيها، قول ساقط لا يعول عليه، ولا سبقه إليه أحد ممن يعتد بقوله ويرجع إليه; ولعمر الله، لئن كان الرد والقبول بمجرد الهوى، وما لا يلائم الغرض، يقال: هو عمومات وأحاديث فيها ما فيها، فإن الخصم لا يعجز عن مثل هذه الكلمات، فلا يثبت له حجة بشيء منها أصلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015