الشرك الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوعه، وقد وقع بعد القرون المفضلة، وعظمت القبور ببناء المساجد عليها، وعبدت من دون الله، رغبة إليها وخوفا، ورجاء وتعظيما ومحبة، وصرفوا لها خصائص الإلهية، التي لا يصلح منها شيء لغير الله تعالى؛ وما زال العلماء من أهل السنة ينكرون هذا الشرك، كابن عقيل، وأبي شامة، وابن وضاح وغير هؤلاء مما لا يمكن حصرهم.
وممن اشتهر عنه إنكاره وبيانه، والجواب عما شبه به المشركون، والرد على من اعتقد هذا الشرك، وأجازه، شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وتبعهم على هذا في عصرهم الخلق الكثير من أهل السنة؛ وبعدهم بمدة رجع أكثر الأمة على ذلك، لكثرة المخالفين للحق في تلك الأعصار، وفي أكثر الأمصار، حتى غلب الشرك، ونسي العلم الذي بعث الله به رسله، من توحيد الله تعالى، وإخلاص العبادة له، فاستحكمت الغربة، وعظمت البلية.
وفي حدود القرن العاشر وما بعده، لا يعرف أحد من العلماء تكلم بالتوحيد ودعا إليه، وعرف هذا الشرك ونهى عنه، حتى أظهر الله هذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في آخر هذه الأمة، وهي نعمة عظيمة، فبين حقيقة التوحيد، وأنواعه، على ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، لا يعدل عن طريقتهم.