وقد روى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إني لأخاف على أمتي من بعدي، من أعمال ثلاثة; قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: أخاف عليهم من زلة العالم، وجدال المنافق بالقرآن والقرآن حق، وعلى الحق منار كأعلام الطريق ".
ويكفي اللبيب في هذا ما قصه الله في كتابه عن بني إسرائيل، مع صلاحهم وعلمهم: أنهم بعد ما فلق الله لهم البحر، وأنجاهم من عدوهم، أتوا نبيهم صلى الله عليه وسلم قائلين: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.
وكذلك ما رواه الترمذي وغيره: أن أناسا من الصحابة، في غزوة حنين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم حين مروا بسدرة للمشركين يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها "ذات أنواط"، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط; فقال: "الله أكبر! إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 1. لتركبن سنن من كان قبلكم ".
فإذا كان هذا قد خفي عليهم، مع صلاحهم، ووضوحه، وبيانه، وقبلهم قوم موسى، مع صلاحهم وعلمهم، وقد اختارهم الله على عالمي زمانهم، وخفي عليهم