على ولاة الأمور من غير قدرة على ذلك، لأجل تغلب أهل الباطل وقوتهم، وعجز أهل الحق عن منابذتهم، وعدم تنفيذ الأمور التي يحبها الله ويرضاها؛ فدرء المفسدة المترتبة على الإنكار على الولاة، أرجح من المصلحة المترتبة على منابذتهم بأضعاف مضاعفة. وإذا استلزم الأمر المحبوب إلى الله، أمراً مبغوضاً مكروهاً إلى الله، وتفويت أمر هو أحب إلى الله منه، لم يكن ذلك مما يحبه الله ويقرب إليه، لما ينبني على ذلك من المفاسد، وتفويت المصالح.

وقد ذكر أهل العلم قاعدة تنبني عليها أحكام الشريعة، وهي: ارتكاب أدنى المفسدتين، لتفويت أعلاهما، وتفويت أدنى المصلحتين، لتحصيل أعلاهما.

وقال الإمام الحافظ ابن عبد الهادي، في رده على السبكي، كلاماً يحسن أن نذكره في هذا الموضع. قال رحمه الله:

الوجه الثالث: أنه لا يكفي مجرد كون الفعل محبوباً له، في كونه قربة، وإنما يكون قربة إذا لم يستلزم أمراً مبغوضاً مكروهاً، أو تفويت أمر هو أحب إليه من ذلك الفعل؛ وأما إذا استلزم ذلك، فلا يكون قربة، وهذا كما أن إعطاء غير المؤلفة من فقراء المسلمين وذوي الحاجات منهم، وإن كان محبوباً لله، فإنه لا يكون قربة إذا تضمن فوات ما هو أحب إليه، من إعطاء من يحصل بعطيته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015