قوة في الإسلام وأهله، وإن كان قوياً غنياً غير مستحق. وكذلك التخلي لنوافل العبادة، إنما يكون قربة إذا لم يستلزم تعطيل الجهاد، الذي هو أحب إلى الله سبحانه من تلك النوافل، وحينئذ فلا يكون قربة في تلك الحال، وإن كانت قربة في غيرها. وكذلك الصلاة في وقت النهي، إنما لم تكن قربة لاستلزامها ما يبغضه الله سبحانه ويكره، من التشبه ظاهراً بأعدائه، الذين يسجدون للشمس في ذلك الوقت. فهاهنا أمران يمنعان كون الفعل قربة: استلزامه لأمر مبغوض مكروه، أو تفويته لمحبوب هو أحب إلى الله من ذلك الفعل. ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل، أطلعه الله على سر الشريعة، ومراتب الأعمال، وتفاوتها في الحب والبغض، والضر والنفع، بحسب قوة فهمه وإدراكه، ومراد توفيق الله، بل مبنى الشريعة على هذه القاعدة، وهي: تحصيل خير الخيرين، وتفويت أدناهما، وتفويت شر الشرين باحتمال أدناهما، بل مصالح الدنيا كلها قائمة على هذا الأصل. انتهى.

وقال ابن القيم، رحمه الله - في الأقسام، بعد كلام سبق -: والمداهنة إنما تكون في باطل قوي لا يمكن إزالته، أو في حق ضعيف لا يمكن إقامته، فيحتاج المداهن إلى أن يترك بعض الحق، ويلتزم بعض الباطل. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015