وهي قصيدة طويلة منها قوله:

ولست بناس أهلها حين أقبلوا ... وجالوا علينا بالسيوف وطوفوا

وقالوا جميل بات في الحي عندها ... وقد جردوا أسيافهم ثم وقفوا

ولما اشتهرت بثينة بحب جميل إياها اعترضه عبيد الله بن قطنة بني الأحب وهو من رهطها الأقربين فهجاه وبلغ ذلك جميلا فأجابه وتطاولا فغلبه جميل وكف عنه ابن قطنة واعترضه عمير بن رمل رجل من بني الأحب أيضا وإياه عنى جميل بقوله:

إذا الناس هابوا خزية ذهبت بها ... أحب المخازي كهلها ووليدها

لعمر عجوز طرقت بك إنني ... عمير بن رمل لابن حرب أقودها

بنفسي فلا تقطع فؤادك ضلة ... كذلك حزني وعثها وصعودها

قال: فاستعدوا عليه عامر بن ربعي وكان الحاكم على بلاده عذرة وقالوا: يهجونا ويغشى بيوتنا وينسب بنسائنا فأباحهم دمه وطلب فهرب, وغضبت عليه بثينة لهجائه أهلها جميعا فقال جميل:

وما صائب من نائل قذفت به ... يد وممر العقدتين وثيق

له من خوافي النسر جم تطاير ... ونصل كنصل الزاعبي فتيق

على نبعة زوراء أما خطامها ... فمثن وأما عودها فعتيق

بأوشك قتلا منك يوم رميتني ... نوافذ لم تظهر لهن خروق

تفرق أهلانا بثين فمنهم ... فريق أقاموا واستمر فريق

فلو كنت خوارا لقد باح مضمري ... ولكنني صلب القناة عريق

كان لم يحارب يا بثين لو أنه ... تكشف غماها وأنت صديق

وبعد ذلك بمدة وقع الصلح بينه وبينها وأخذ منها موعدا للقائه فوجدوه عندها فأعذروا إليه وتوعدوه وكرهوا قتله خوفا من أن ينشب بينهم وبين قومه حرب بدمه وكان قومه أشد بأسا من قوم بثينة فأعادوا شكواه إلى السلطان فطلبه طلبا شديدا فهرب إلى اليمن فأقام بها مدة. ومن شعره وهو في اليمن:

ألو خيال من بثينة طارق ... على النأي مشتاق إلي وشائق

سرت من تلاع الحجر حتى تخلصت إلي ودوني الأشعرون وعافق

كأن فتيت المسك خالط نشرها ... تقل به أردافها والمرافق

تقوم إذا قامت به عن فراشها ... ويغدو به من حضنها من تعانق

ولم يزل في اليمن على أن عزل ذلك الوالي وانتقل أهل بثينة إلى ناحية الشام فرجع إليهم فشكا أكابر الحي إلى أبيه وكان ذا مال وفضل وقدر في أهله فناشدوه الله والرحم وسألوه كف ابنه عن فتاتهم وعن تشببه بها وما يفضحهم به بين الناس فوعدهم كفه ومنعه ما استطاع ثم انصرفوا فدعا به وقال له: يا بني حتى متى أنت أعمى في ضلالك ألا تأنف من أن تتعلق في ذات بعل يخلو بها وأنت عنها بمعزل تغرك بأقوالها وخداعها, وتريك الصفاء والمودة, وهي مضمرة لبعلها ما تضمره الحرة لمن ملكها فيكون قولها لك تعليلا وغرورا فإذا انصرفت عنها عادت إلى بعلها على حالتها المبذولة إن هذا لذل وضيم وما أعرف أخيب سهما ولا أضيع عمرا منك فأنشدك الله ألا كففت وتأملت في أمرك فإنك تعلم أن ما قلته حق ولو كان إليها سبيل لبذلت ما أملكه فيها, ولكن هذا أمر قد فات واستبد به من قدر له وفي النساء عوض؟ ! فقال له جميل: الرأي ما رأيت والقول كما قلت, ولكن هل رأيت قبلي أحد قدر أن يدفع هواه عن قلبه أو ملك أن يسلي نفسه أو استطاع أن يدفع ما قضى عليه والله لو قدرت أن أمحو ذكرها من قلبي, أو أزيل شخصها عن عيني لفعلت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015