وكيف يطيب العيش دون مسرة ... وأي سرور للكئيب المؤرق

وكانت لها جارية سوداء بديعة المعنى فظهر لولادة أن ابن زيدون مال إليها فكتبت إليه:

لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا ... لم تهو جاريتي ولن تتخير

وتركت غصنا مثمرا بجماله ... وجنحت للغصن الذي لم يثمر

ولقد علمت بأنني بدر السما ... لكن ولعت لشقوتي بالمشتري

فخجل من ذلك وأرسل إليها يتنصل ويستسمحها فلم تسامحه, واستحكمت النفرة بينهما وكانت لقبته بالمسدس فقالت فيه مرة:

ولقبت المسدس وهو نعت ... تفارقك الحياة ولا يفارقك

فلوطي ومأبون وزان ... وديوث وقرنان وسارق

وقالت فيه أيضا:

إن ابن زيدون على فضله ... يغتابني ظلما ولا ذنب لي

يلحظني شزرا إذا جئته ... كأنني جئت لأخصي علي

وكان ابن عبدوس الوزير يهواها وهي تأبى مسامرته ودائما تتهكم عليه ومن تهكماتها مرت يوما به, وهو جالس أمام داره وبجانبه بركة تتولد عن كثرة الأمطار وربما اتحدت بشيء من الأقذار, وقد نشر أبو عامر الوزير كميه ونظر في عطفيه وحشد أعوانه إليه فقالت له:

أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلاكما بحر

فتركته لا يحير حرفا ولا يرد طرفا: وبسبب تعلق ابن عبدوس بولادة أرسل ابن زيدون إليه بالرسالة المشهورة -التي شرحها غير واحد من أدباء الشرق كالجمال بن نباتة والصفدي وغيرهما- وفيها من التلميحات والتحذيرات ما لا مزيد عليه, وأرسل ابن زيدون لابن عبدوس أيضا رسالة لاشتراكه معه في هواها يقول في آخرها:

أثرت هزبر الثرى إذ ربض ... ونبهته إذ هدا فاغتمض

وما زلت تبسط مسترسلا ... إليه يد البغي لما انقبض

وإن سكون الشجاع النهو ... ش ليس بمانعه أن يعض

عمدت لشعري ولم تتئد ... تعارض جوهره بالعرض

أضاقت أساليب هذا القري ... ض أم قد عفار سمه فانقرض

لعمري فوقت سهم النضال ... وأرسلته لو أصبحت الغرض

ومنها:

وغرك من عهد ولادة ... سراب تراءى وبرق ومض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015