وكانت قد طالت مدة مقابلتها مع لبن زيدون فهاج بها الشوق والغرام, وتضاعف عندها الوجد والهيام وذلك بعد ما دلت عليه إدلالها وتسربلت من التمنع أعظم سربالها فكتبت إليه قائلة:
ترقب إذا جن الظلام زيارتي ... فإني رأيت الليل أكتم للسر
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح ... وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر
فلما وصلت رقعتها إلى ابن زيدون أعلمها أنه لها بالانتظار, وفي فؤاده بتأجج لهيب نار ولا يطفئها إلا اللقاء وأعد لها مجلسا نضرا أوجد فيه من جميع الأزهار واللطائف, ومن كل فاكهة زوجين ولما آن الوقت المعين للحضور أقبلت ترفل بالدمقس وبالحرير كأنها من الحور العين فتقابلا وتصافحا ودار بينهما العتاب وقضيا مجلسهما يتعاطيان أكؤس الآداب إلى أن آن أوان الانصراف مالت غليه مودعة بانعطاف:
ودع الصبر محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن علي أن لم يكن ... زاد في تلك الخطا إذ شيعك
يا أخا البدر سناء وسنى ... حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك
وانصرفت على أمل اللقاء ومكثت زمانا لم تحصل مقابلتهما لدواع سياسية أخرت لبن زيدون عن التمكن من الاجتماع به فكتبت إليه:
ألا هل لنا من بعد هذا التفرق ... سبيل فيشكو كل صب بما لقي
وقد كنت أوقات التزاور في الشتا ... أبيت على جمر من الشوق محرق
فكيف وقد أمسيت في حال قطعه ... لقد عجل المقدور ما كنت أتقى
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي ... ولا الصبر من رق التشوق معتقي
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا ... بكل سكوب هاطل الوبل مغدق
وكتبت بعد الشعر في أثناء الكتابة وكنت ربما حثثني على أن أنبهك على ما أجد فيه عليك نقدا وإني عليك قولك: سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا فإن ذا الرمة قد انتقد عليه قوله مع تقديم الدعاء بالسلامة:
ألا يا اسلمى يا درامي على البلي ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
إذ هو أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له وأما المستحسن فقول الآخر:
فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي
فأجابها متشكرا لها على انتقادها وعلم أنها مصيبة بهذا الانتقاد وفي آخر رقعته قال:
لحى الله يوما فيه بملتقي ... محياك من أجل النوى المتفرق