يقودني فو الله ما صبحت رجلا من العرب كان أكرم منه إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله, ثم تأجر عني وقال: اركبي فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ننزل, فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي إلى المدينة, فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة نازلا بها فدخلتها على بركة الله تعالى ثم انصرف راجعا إلى مكة.
وكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب بيت أبي سلمة وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة وهي أول ظعينة هاجرت إلى المدينة وقيل: إنه لما انقضت عدتها بعث أبو بكر إليها يخطبها عليه فلم تزوجه, فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يخطبها عليه فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غيرى وأني امرأة مصبية وليس أحد من أوليائي شاهدا. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "ارجع إليها فقل لها: أما قولك إني امرأة مصبية فستكفين صبيانك وأما قولك ليس أحد من أوليائي شاهدا فليس أحد من أوليائك شاهدا أو عاثبا يكره ذلك. وقولك: إنك امرأة غيرى فسندعو الله يصرف عنك الغيرة". فلما بلغها ذلك قالت لابنها عمر: قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه.
وحكي عنها أنها قال: في بيتي نزلت: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (الأحزاب: 33) وكانت من أجمل النساء وشهدت غزوة خيبر وتوفيت بعد قتل الحسين أي سنة 61 للهجرة وقيل: بل توفيت سنة 59 (هـ) وسند الرأي الأول ما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أم سلمة ترابا من تربة الحسين حمله إليه جبريل فقال لها: إذا صار هذا التراب دما فقد قتل الحسين, فحفظته في قارورة عندها, فلما قتل الحسين صار التراب دما, فأعلمت الناس بقتله.
وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلثمائة حديث وثمانية وعشرين حديثا, وقد عاشت أربعا وثمانين سنة وصلى عليها أبو هريرة ودفنت بالبقيع من أرض الحجاز.
كانت أحسن نساء زمانها خلقا وخلقا, وأدبا ولطفا, وفصاحة. ولها إلمام بالنثر والنظم فوصف للحجاج حسنها فخطبها وبذل لها مالا جزيلا, وتزوج بها وشرط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم, وأقام بها بالمعرة مدة طويلة, ثم إنه رحل بها إلى العراق فأقامت معه ما شاء الله ودخل عليها في بعض الأيام, فسمعها تقول وهي واقفة على المرآة:
وما هند إلا مهرة عربية ... سلالة أفراس تجللها بغل
فإن ولدت أنثى فلله درها ... وإن ولدت بغلا فجاء به البغل
فانصرف راجعا ولم تكن علمت به وأراد طلاقها فانفذ إليها عبد الله بن طاهر وأنفذ لها معه مائتي ألف درهم وهي التي كانت لها عليه وقال: يا ابن طاهر طلقها بلكلمتين ولا تزد عليهما فدخل عبد الله بن طاهر