القديمة الشهيرة والحال أن تلك لم يبق منها إلا أطلال بالية وبيوت قليلة خربة أو متداعية وكلها في جهة تعرف بمصر العتيقة في هذه الأيام.

وأما المدينة ففي 30 درجة من العرض الشمالي و 28 درجة من الطول الغربي في وسط سهل فسيح, قد اختلطت فيه رمال البادية بالطين الذي جرفه نهر النيل إلى مصر من قلب أفريقا ويحاذيها من ناحية الشرق الجبل المقطم وهو كبعض التلال المنبسطة في ربى لبنان أو أوطأ منها, ومن ناحية الغرب نهر النيل ملاصقاً للبيوت التي على أطرافها ولغزارة مائه واتساعه العظيم يسمونه هنا بحراً وقد صدقوا فلو جمعت أنهار سوريا كلها معاً لما ساوت جانباً منه.

والمدينة مؤلفة اليوم من بيوت قديمة وبيوت جديدة فالقديمة مبنية ومرتبة على الاصطلاح الشرقي والشوارع بنيها ضيقة والأزقة يغلب أن تكون قذرة والهواء غير نقي لانحصاره والمباني غير جميلة ولكنها لا تخلو من محاسن كثيرة يلذ بها ذو الذوق السليم كمنجورها المعروف بالمشربية فإنه بديع الجمال ويزيده طول عهده حسناً وجمالاً لأن طول الزمان كبعد المكان يكسو الشيء أثواباً من الجمال والجديدة مبنية على الطراز الغربي الجديد ولا حاجة لوصفه وأحقر المباني القديمة أكواخ الفلاحين وهي صغيرة قذرة في جميع أنحاء القاهرة فيرى الإنسان في الأرض الواحدة قصوراً فخيمة ومباني رشيقة, وزخارف تسبي العقول وتبهر الأبصار بجانبها تلك الأكواخ الحقيرة البناء القذرة الظاهر النتنة الداخل المعروفة عند المصريين بالعشش فكأني بمصر قد جمعت أبدع الصناعة الأوروبية مع أحقر الصناعة الأفريقية في رقعة صغيرة من الأرض.

وكانت القاهرة قديماً محاطة بسور لا تزال آثاره ظاهرة في بعض الجهات إلى الآن. ويقال: عن الرياح كانت تسفي عليها رمال الصحراء قديماً حتى تغشيها بها كما يغشى الضباب جوانب الأنهار, ولذلك كثر رمد العينين فيها وتلفت عيون الجانب الكبير من أهاليها ولكن لما حكم محمد علي باشا وإبراهيم الذي تغلب على سورية وحكم عليها زماناً ولا يزال اسمه أشهر من نار على علم عندنا في بلاد مصر عمرها إلى درجة سامية في التمدن فأنشأ المدارس والمعامل وبنى المستشفيات, وفتح الطرقات, وغرس الأشجار وجعل القاهرة ثانية القسطنطينية في الاتساع, وبنى جامعة المعدود من أشهر جوامعها العديدة على مقربة من الجبل وكله مبني من المرمر اللامع الذي يكاد يكشف عما تحته ومزين بالنقوش والكتابات البديعة, وفيه الثريات الكبيرة والطنافس النفيسة التي لم تر عيني أعظم منها ولا أبدع صفة, ولما توفي إلى رحمة ربه دفن فيه, وأحيطت الحجرة التي دفن فيها بمشبك من النحاس الأصفر المتقن الصنعة البديع الشكل والجامع يطل على المدينة, وقد وقفت بجانبه فرأيت أمامي معظم القاهرة مقطعة بالشوارع تقطيعا هندسيا, وقد رفعت فيه قباب الجوامع على ما سواها من المباني وعلت المآذن مئات كأنها شجر غاب في سهل أو سواري السفن في البحر.

ويلي المدنية غرباً نهر النيل جارياً بين حقول الزرع وغياض الشجر, وغابات النخيل كأنه سيف صقيل مسلول على بساط أخضر وثير ويلي حواشيه الخضراء رمال الصحراء والأهرام الناطحة عنان السماء, وهذا المنظر من المناظر التي تستحق أيدي أبدع المصورات وتعرضها قرة للعيون ونزهة للنفوس, وبجانب هذا الجامع قلعة عظيمة كانت تسك فيها النقود ويعرف مكان سكها بالضر بخانة, والقلعة اليوم في قبضة الجنود الإنكليزية التي دخلت البلاد مصر بعد النازلة العربية.

وفي القاهرة جوامع عديدة بعضها موصوف بجمال داخله رونق ولكن أشهرها في الاسم يكاد يكون أدناها في البناء أريد به الجامع الأزهر الذي سمعتن به كثيراً فهو جامع للتدريس وفيه من الطلبة ما ينيف من عشرة آلاف طالب على ما يقال فهو أكثر مدارس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015