العالم ويكشف لنا خبايا الطبع البشري فلم أنل المنى إلا في قليل مما وقفت عليه ولم أزل أضطر إلى مطالعة كتب الإفرنج لتحصيل ما أشتهيه من هذا القبيل مع أننا في زمان تتبارى فيه أقلام الكتاب ويتباهى فيه أولوا النباهة والذكاء.

وقالت أيضاً منتقدة إغفال ذكر الأمهات من تراجم البنين والبنات ما نصه: "ولم يذكر لنا المؤرخون عن اسم أم الخنساء ولم يكلفوا النفس أي كلمة عن التي قاست الأهوال وأحيت الليالي حرصاً على حياة بنتها وحباً لتربيتها فأين الإنصاف من ذلك وفضل البنت من فضل أمها وقد قال الفيلسوف: إن الباري إذا شاء أن يخلق في أرض فيلاً عظيماً خلق فيلة عظيمة تلده. وما أدرانا أن الخنساء لولا فضل أمها لم يكن فيها فضل تشتهر به ولولا حسن تربية أمها لها نبغت بما نبغت نعم إنها ولدت من نسل امرئ القيس أشعر شعراء العرب, والأقرب إلى العقل أن تكون قريحته قد اتصلت إليها بحكم الوراثة ولكنها اتصفت أيضاً بصفات أدبية أسمى من صفاتها العقلية ومن المعلوم أن امرأ القيس لم يفق في آدابه ولو فاق الشعراء في شعره فالمتأمل في سيرة الخنساء يجد مندوحة لإسناد الفضل إلى أمها وإن يكن على سبيل الزعم والتخمين ولو تنازل المؤرخون إلى ذكر أم الخنساء وصفاتها لظهر الحق وانتفت الظنون وكفى بذلك فائدة إن يكن في ذكر الأم غيرها.

وقالت أيضاً منتقدة "سكوت" الكتاب في السير والتراجم عما يحدث للإنسان في صباه من الحوادث والنوادر ونحوها: "وقد ضربوا صفحاً أيضاً عما جرى للخنساء في صباها ولم يشيروا إلى أيام حداثتها والحال أن الإنسان لا يتكمل الفائدة ولا اللذة في مطالعة سير غيره إلا متى اطلع على أحوالهم فعرف نقائصهم وفضلهم, وحسناتهم وسيآتهم وما فاقوا فيه وقصروا عنه وكيف طرأت عليهم التجارب والمصاعب فتخلصوا منها وتغلبوا عليها وكيف توسعت قواهم العقلية واستقامت قواهم الأدبية, ونمت أبدانهم واشتدت قواهم الجسدية وما كانت نوادرهم ومزاياهم وسائر خصائصهم وهذه الأمور كلها تظهر في زمان الطفولية والصبا أحسن ظهور, ولذلك يجد القارئ معظم اللذة والطلاوة إن لم نقل معظم الفائدة أيضا في معرفة أحوال الشخص في طفوليته وحداثته".

وقد عرفت المترجمة في ردها على الدكتور شبلي شميل بقولها: إن الزوجة الفاضلة هي المعزية الحزين المفرجة الكروب الصابرة على مضض العيش ونغص الحياة الراضية بمشاركة الرجل في سرائه وضرائه المحافظة على ولائه الطالبة ستره الناسية نفسها في خدمته الباذلة حياتها في مسرته, وتربية عائلته الممتازة بالوراعة والعفاف والطهارة وهذه الأوصاف قد كانت دأبها في حياتها وقد استكملتها واحدة فواحدة كما يعلم ذلك أصدقاؤها ومعارفها وأما أنا فلم يسعدني الحظ برؤيتها وبالاقتباس من أنوار معارفها.

وفي سنة 1881 م أنشأ بعض المحسنات الأميركانيات والوطنيات جمعية لتعلم النساء البائسات والتصدق عليهن فشاركتهن في هذا العمل المبرور وجعلت بيتها داراً لتلك الجمعية فكن يجتمعن فيه كل أسبوع يتعلمن ويأخذون ما يتصدق به عليهن من كسا ونقود.

وفي أواخر سنة 1885 م انتقلت المترجمة مع زوجها إلى الديار المصرية, ولما استقر بها القرار عكفت على المطالعة والدرس استعداداً لعمل حميد كانت ناوية أن تشرع فيه خدمة لبنات عصرها لو فسح في أجلها ولكن باغتها على غرة مرض له "باشلس" يدخل الأبدان مع الهواء وينشب في الرئتين أظفاره, وهو المنية بعينها ولا دافع له من دواء ولا رقية:

أمر رب العباد يقضي بما شاء ... تعالى عن الخلائق سرمد

فأرجعت مريضة إلى بر الشام في صيف تلك السنة نزلت في قرية من أطيب قرى لبنان هواء وماء فأقامت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015