فقال لي: تقدم إلى الستارة فألقه على فريدة. فألقيته عليها. قالت: هو خلي أو خل كيف هو؟ فعلمت أنها سألتني عن صاحبه لها اسمها خل وكانت ربية معها وأخفت ذلك عن الواثق. وبقيت مدة في دار خلافة الواثق حتى ماتت عنده.
كانت حاذقة بالغناء, كاملة الخصال وأصلها لإحدى بنات هارون الرشيد. ونشأت وتعلمت ببغداد ودرجت من هناك إلى المدينة المنورة فازدادت طبقتها في الغناء وأخذ عنها جملة من المغنين, ولها أصوات حسنة مذكورة بالأغاني وبقيت بالمدينة إلى أن ماتت بها.
كانت فضل جارية مولدة من مولدات البصرة وكانت أمها من مولدات اليمامة بها ولدت ونشأت في دار رجل من عبد القيس وباعها بعد أن أدبها وخرجت واشتريت وأهديت إلى المتوكل, وكانت هي تزعم أن الذي باعها أخوها وأن أباه وطئ أمها فولدتها منه فأدبها وخرجها معترفاً بها وأن بنيه من غير أمها (تواطؤوا) على بيعها وجحدها ولم تكن تعرف بعد أن أعتقت إلا بفضل العبيدية, وكانت حسنة الوجه والجسم والقوام أديبة فصيحة سريعة البديهة مطبوعة في قول الشعر. ولم يكن في نساء زمانها أشعر منها.
قال أحمد بن أبي طاهر: كانت فضل الشاعرة مع رجل من النخاسين بالكرخ يقال له: حسنويه فاشتراها محمد ابن الفرج أخو عمر بن الفرج أخو عمر بن الفرج الراجحي وأهداها إلى المتوكل فكانت تجلس للرجال ويأتيها الشعراء فألقى عليها يوماً أبو دلف القاسم بن عيسى:
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطي إلي ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة ... نظمت وحبة لؤلؤ لم تنقب
فقالت فضل مجيبة له:
إن المطية لا يلذ ركوبها ... ما لم تذلل بالزمام وتركب
والدر ليس بنافع أصحابه ... حتى يؤلف للنظام بمثقب
ولما دخلت على المتوكل يوم أهديت إليه قال لها: أشاعرة أنت؟ قالت: كذا زعم من باعني واشتراني, فضحك وقال: أنشدينا من شعرك, فأنشدته:
استقبل الملك إمام الهدى ... عام ثلاث وثلاثينا
خلافة أفضت إلى جعفر ... وهو ابن سبع بعد عشرينا
إنا لنرجو يا إمام الهدى ... أن تملك الناس ثمانينا
لا قدس الله امراً لم يقل ... عند دعائي لك آمينا
فاستحسن الأبيات وأمر لها بخمسة آلاف درهم وأمر عريب فغنت فيها.
وكان المعتمد بن المتوكل عرضت عليه جاريته وهو صغير في خلافة أبيه فاشتط مولاها في السوم فلم يشترها وخرج بها مولاها إلى ابن الأغلب, فبيعت هناك.
ولما ولي المعتمد الخلافة سأل عن خبرها فقيل له: إنها بيعت وأولدها مولاها الذي اشتراها فقال لفضل: قولي فيها شيئاً. فقالت: