يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا
والمباينة الموجودة بينهما في الهيئة من حيث إن الأولى: كانت شقراء الجملة، والثانية: سوداء شعر الحاجبين والهدبين زرقاء العنين كستنائية الشعر على كونهما شقيقتين لا تقد غريبة في بابها لأن الأولاد الذين يأتون من آباء شقر وأمهات شقر تكون هيآتهم كهيآت آبائهم وأمهاتهم، وهكذا الذين يكونون من أب أشقر ووالدة سوداء العنين والحاجبين، والشعر وبالعكس فإن بعضهم يشبه الأب والبعض الآخر يشبه الأم كما حصل في هيئة ذات الخدر المختلفة عن هيئة شققتها.
ولما زايلنا ظهر السفينة رفعتا عنهما ثوب الزيارة الذي كنا نظرناه عليهما فتبدت للعين ألبستهما التي كانت مستورة بالثوب المذكور، وكانت جميلة جدا، وكانت ذات الخدر تلبس ثيابا حريرية بيضاء وقماشها بسيط للغاية، والثانية لابسة ثوبا يضرب إلى لون الفضة ظريفا وبسيطا أيضا.
فلنأت الآن على وصف الضيفة الثالثة التي عرفنا أنها ذات خدر أيضا وهي كانت حسنة في وقتها أما الآن فإنها تبلغ نحو الخمسين من سني الحياة ومع أن محياها وجسمها قد أقالهما العمر من عذاب الزي والزينة إلا أنها كانت تحملها هذه المشقة، فقد كانت ألبستها وشعرها الممزوج بياضا في غاية الترتيب ومنتهى الانتظام.
وقد كنا في القاعة مع الضيفان والوالدة وسائر أفراد العائلة فعرفتهن بالوالدة وتبادلن معها رسم السلام بالإشارة وقد فهمنا أن ذات الخدر المسنة تكون خالة الصبيتين الشقيقتين.
وكانت السيدة "ص" تشارك هذه العاجزة في الترجمة باللغة الفرنسية فأخبرتنا الضيفات أنه لم يمر على مجيئهن إلى الأستانة إلا ثلاثة أيام، صرفن اليوم الأول في الراحة من عناء السفر، واليوم الثاني في قبول زيارة أقربائهن وأحبائهن الساكنين في دار السعادة، واليوم في التفرج على أسواق (بك أوغلي) ومخازنها بحيث اتضح لنا من إفادتهن أنهن كن ينظرن إلينا كأنهن من عالم الترك ونسائهم.
وفي خلال ذلك أخذت الشقيات تتكلمان معا باللغة الإنكليزية.
فقلت خطابا للسيدة "ص" إليك لقد تم الأمر فإنهما سيتكلمان باللسان الإنكليزي بمعزل عنا ولذلك يلزم أن لا تجعلي لهما سبيلا يدركان أنك تفهمين اللسان المذكور.
قالت: كلا، لا أتركهما يفهمان ولكن أرى أنهما ينما هما يتكلمان بالإنكليزية فخالتهما ملتزمة جانب الصمت فالظاهر أنها لا تعرف اللسان المذكور.
فقلت لها: ماذا تقولان؟ قالت السيدة "ص": إنهما قالتا إننا نعرف المعاملة الحسنة آه يا عزيزتي أمل أقل لك إنه يجب أن نلبس من آخر زي ثم نظهر أمامهن فلا نشك أنهن سيحسبننا جاهلات لا ندرك شيئا.
وفي خلال ذلك التفتت إلينا ذات البعل قائلة: إننا كنا رجوناكن أن تكتسين ألبسة تركية فهل كان ثمة مانع لو أنكن قبلتن رجاءنا؟ فحينئذ التفتت إلي "ص" قائلة بحيرة واستغراب: (يا عجبا أيوجد أكثر من هذه الألبسة ألبسة تركية؟) . وكادت تصرح عن فكرها وتلفظ هذه الكلمات بالإنكليزية إلا أنها لما كانت على مقربة مني وكان كلامها همسا وقد فطنت إلى الزائرات اجتهدت في تحويل الكلام إلى الفرنسية، ثم مزجته بالتركية فصار كلامها مركبا