قالت العجوز: لا جرم فإنه كان من جهة مفتوحا على الصدر، ومن جهة ضيقا كثيرا وا أسفاه عليكن أيتها الفتيات إنكن لم ترين شيئا فأين هذا العصر من عصرنا الماضي.
قلت لها: ألم يكن في عصر صباك عجائز لم يكن يستحسن ذوقك؟ قلت: كيف لا؟ فإن عجائز ذلك العصر لم يكن يرضين ذوقنا وزينا.
قلت: ماذا كن يقلن عنه، وكيف كانت كسوتهن؟ قالت العجوز: إن العصابة المسماة (حوطوز) لم تكن عامة وإنما كان للعجائز عصائب مخصوصة بهن يسمينها (قايق حوطوز) وكانت مؤلفة من سبعة أو ثمانية مناديل يعلوها ثلثمائة إبرة.
قالت السيدة "ص": خطابا إلى السيدة "ن": أيتها السيدة الميالة إلى الأزياء التركية إنك ما دمت شديدة الميل إلى هذه الأزياء فعليك بعمل هاته العصابة لأنها تمثل الأكسام التركية كل التمثيل وإلا فاقصري عن التضجر من الألبسة الغربية كأثواب الصباح والغرفة والجاكتا إلخ.
قالت السيدة "ن": إنني أرى راحة في استعمال الأثواب التركية ولأجل ذلك أكتسي بها وما الفائدة من وضع مثل هذه الأحمال على رأسي.
قالت السيدة "ص": إذن أرجوك أن لا تعترضي على كل الناس لأنه قد تبين لك أن الأزياء تتغير من وقت إلى آخر وأن هاته الحال موجودة عندنا أيضا على أن الفرق بين الزمانين أن الألبسة - في الماضي - كانت تتغير مرة في كل أربعين أو خمسين سنة، أما الآن فإنها تتغير في كل ستة شهور.
فقلت: أجل، إن ذلك تأثير السرعة في أزمنتنا، فإن سكان الدنيا الذين يتقلبون أبدا من حال إلى حال لا يمكن أن تبقى ألبستهم على حال واحدة.
قالت: فإذن صار يجب أن نلبس ثيابنا.
قلت: فليأتوا بألبستك إلى هنا.
وبعد أن قلت ذلك جاءوا إليها بالألبسة فأخذت الجارية تلبسها، وبينما كانت تربط رباطات المشد قالت: آه إنني حتى الآن لم أتعود تحمل هذه المشد فإنه يضايقني ويسلب راحتي، فكيف أعمل لا أدري؟ فقلت لها: لا تلبسيه.
قالت: إذ لم يلبس لا يبقى من كسم للأثواب.
فقلت لها: إلبسيه إذا قالت: أنا لم أقل لك إنه يؤثر على معدتي.
فقلت لها: ماذا أقول يا سيدتي فإما أن تلبسيه أو لا.
قالت: الأمران ممتنعان.
قلت لها: إذا وجدت لهما ثالثاً فافعليه.
قالت السيدة "ن": آه يا عزيزتي إن ثوبي الواسع لا يحملني شيئا من هاته الأثقال.
فقالت السيدة "ص": إنه لا يعرف لك كسم لأنه لا ينظر بل يبقى محجوبا.
فقالت لها: أيحسب ذلك عيبا فإنه إذا كان به قصور فلا يشاهد؟ فقلت للسيدة "ص": ألم تقرئي ما كتبه مدحت أفندي بشأن المشد في كتابه المسمى بالمصاحبات الليلة؟