وقال الفضل بن العباس بن المأمون: زارتني عريب يوما ومعها عدة من جواريها فوافتنا ونحن في شرابنا فتحادثنا ساعة وسألتها أن تقيم عندنا باقي يومها فأبت وقالت: قد دعاني جماعة من إخواني من أهل الأدب والظرف وهم مجتمعون في جزيرة المأيد فيهم إبراهيم بن المدبر وسعيد بن حميد ويحيى بن عيسى، وقد عزمت على المسير إليهم قال: فحلفت عليها بالإقامة عندنا فأقامت ودعت بدواة وقرطاس فكتبت بعد البسملة في سطر واحد ثلاثة أحرف متفرقة وهي: (أردت، لولا، لعلي) .

وأرسلتها فأخذها ابن المدبر وكتب تحت كل حرف هكذا: (ليت، ماذا، أرجو) ، ووجه بالرقة، فلما رأتها صفقت وقالت: أأترك هؤلاء وأقعد عندكم لا والله إذا تركني الله من يديه ولكني أخلف عندكم بعض جواري يكفيكم وأقوم إليهم ففعلت وأخذت معها بعض جواريها وتركت بعضهن وانصرفت، وعتب المأمون يوما على عريب فهجرها أياما، ثم اعتلت فعادها فقال لها: كيف وجدت طعم الهجر؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، لولا مرارة الهجر ما عرفت حلاوة الوصل ومن ذم بدء الغضب حمد عاقبة الرضا قال: فخرج المأمون إلى جلسائه فحدثهم بالقصة تماما، ثم قال: أترى لو كان هذا من كلام النظام ألم يكن كبيرا.

وقال أحمد بن أبي داود: جرى بين عريب والمأمون فكلمها المأمون في شيء غضبت منه فهجرته أياماً قال أحمد بن أبي داود: فدخلت يوما. فقال: يا أحمد، اقض بيننا بالصلح، فلما كلمتها في ذلك قالت: لا حاجة لي في قضائه ودوله فيما بيننا وأنشأت تقول:

ونخلط الهجر بالوصال ولا ... يدخل في الصلح بيننا أحد

فلما سمع المأمون ذلك دخل إليها بالصلح واصطلحا قال حمدون: كنت حاضرا في مجلس المأمون ببلاد الروم بعد صلاة العشاء الأخيرة في ليلة ظلماء ذات رعود وبروق فقال لي: اركب الساعة فرس النوبة وسر إلى عسكر أبي إسحاق - يعني المعتصم - فأد إليه رسالتي قال: فركبت ومضيت وبينما أنا في الطريق إذ سمعت وقع حافر دابة فرهبت من ذلك وجعلت أتوقاه حتى صك ركابي في ركاب تلك الدابة وبرقت بارقة فتأملت وجه الراكب وإذا هي عريب فقلت: عريب؟ قالت: نع، أنت حمدون؟ قلت: نعم، فمن أين أتيت في هذا الوقت؟ قالت: من عند محمد بن حامد، قلت: وما صنعت عنده؟ قالت: عجبت من سؤالك هذا ترى أن عريب تخرج من مضرب الخليفة في مثل هذا الوقت لتزور محمد بن حامد وتقول لها: ماذا كنت تصنعين عنده خرجت لأصلي معه الترويح أو لأدرس عليه شيئا من الفقه يا أحمق خرجت لأزور حبيبي كما يتزاور المحبون، وما يفعلون من عتاب وصلح، وغضب، ورضا، وشكوى غرام، وبث أشواق وما أشبه. فأخجلتني وغاظتني، ثم رجعت إلى المأمون بعد أداء الرسالة وأخذنا في الحديث وتناشدنا الأشعار، وهممت والله أن أخبره خبرها، ثم رهبته فقلت: أقدم قبل ذلك تعريضا بشيء من الشعر فأنشده:

ألا حي إطلالا لواسعة الحبل ... ألوف تسوي صالح القوم بالرذل

فلو أن من أمسى بجانب تلعة ... إلى جبلي طي لساقطة الحبل

جلوس إلى أن يقصر الظل عندها ... لراحوا وكل القوم منها على وصل

قال: فقال لي المأمون اخفض صوتك لئلا تسمعك عريب فتغضب وتظن أننا في حديثها، فلما سمعت ذلك أمسكت عما أردت أن أخبره به واختار الله لي السلامة.

وقال اليزيدي: خرجنا مع المأمون إلى بلاد الروم فرأيت عريب في هودج، فلما رأتني قالت: يا يزيدي أنشدني شعر قلت: نعم حتى أسمع فيه لحناً فأنشدتها:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015