لم آت عامدة ذنبا إليك بلى ... أقر بالذنب فاعف اليوم عن زللي

فالصفح من سيد أولى لمعتذر ... وقاك ربك يوم الخوف والوجل

فكان لحنها فيه خفيف ثقيل ولحن الواثق رمل ولحنها أجود من لحنه. والثاني هو:

أشكو إلى الله ما ألقى من الكمد ... حسبي بربي ولا أشكو إلى أحد

أين الزمام الذي قد كنت ناعمة=في ظله بدنوني منك يا سندي

وأسأل الله يوما منك يفرحني ... فقد كحلت جفون العين بالسهد

فكان لحنها ولحن الواثق فيه من الثقيل الأول ولحنها أجود من لحنه: قال ابن المعتز: وكان سبب انحراف الواثق عنها كيادها إياه وسبب انحراف المعتصم عنها أنه وجد لها كتابا إلى العباس بن المأمون في بلاد الروم مضمونه اقتل أنت العلج حتى أقتل أنا العور الليلي ههنا - تعني الواثق - وكان يسهر الليل وكان المعتصم استخلفه ببغداد.

وقال صالح بن علي بن الرشيد: تماري خالي أبو علي مع المأمون في صوت فقال المأمون: أين عريب؟ فجاءت وهي مجموعة فسألها عن الصوت فولت لتجيء بعود فقال لها غنيه بغير عود فاعتمدت على الحائط لعدم قوتها على مفعول الحمى وغنت فأقبلت عقرب فرأيتها قد لسعت يدها مرتين أو ثلاثا فما نحت يدها ولا سكتت حتى أفرغت الصوت، ثم سقت وقد غشي عليها فأقيمت من حضرة المأمون وهو لا يكاد أن يملك نفسه أسفا وفرقا عليها. وقيل: إن المأمون كان يحبها الحب المفرط حتى إنه كان يقبل قدميها ويمرغ عليها الخدود إذا رأى منها انحرافا عنه في شيء ما.

وقال أبو العباس بن الفرات: قالت لي تحفة - جارية عريب - كانت عريب تجد في رأسها بردا فكانت تغلف شعرها مكان الغسلة بستين مثقالا مسكا وعنبرا وتغسله من الجمعة إلى الجمعة فإذا غسلته أعادته كما كان وتقسم الجواري غسالة رأسها بالقوارير وما تسرحه منه بالميزان.

وروي عن علي بن يحيى أنه قال: دخلت يوما على عريب مسلما عليها فلما جلسنا هطلت المساء بالأمطار فقالت: أقم عندي اليوم حتى أغنيك أنا وجواري وابعث إلى من أحببت من إخوانك قال: فأمرت بدوابي فردت وجلسنا نتحدث فسألتني عن خبرنا بالأمس في مجلس الخليفة ومن كان يغنينا وأي شيء استحسنا من الغناء فأخبرتها أن صوت الخليفة كان لحنا صنعه بنان فقالت: وما هو فأخبرتها أنه في هذه الأبيات:

تجافي ثم تنطبق ... جفون حشوها الأرق

وذي كلف بكى جزعا ... وسفر القوم منطلق

به قلق يململه ... وكان وما به قلق

جوانحه على خطر ... بنار الشوق تحترق

قال فوجهت رسولا إلى بنان فحضر من وقته وقد بلته المساء، فأمرت بخلع ملابسه وألبسته ملابس فاخرة وقدم له طعام فأكل وجلس يشرب معنا وسألته عن الصوت فغناه مرارا فأخذت دواة وقرطاسا وكتبت:

اجاب الوابل الغدق ... وصاح النرجس الغرق

وقد غنى بنان لنا ... جفون حشوها الأرق

فهات الكأس مترعة ... كأن حبابها حدق

قال علي بن يحيى فما شربنا بقية يومنا إلا على هذه الأبيات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015