الوقت الذي عادت فيه زوجته. وقال الملك - والسيف في يده صلت-: أيها الظالم الغاشم لا تظن أيها الخائن أنك تتمكن من تتميم مرغوبك على أسهل طريقة كما حسبت. قال هذا وتواثبا كلاهما على بعض ووقع بينها صراع لم يطل كثيرا لشدة حدتهما فيه لأن المركيس قد تخوف من أن يبادر (فرنان) وأعوانه لشدة صراخ زوجته فينفذ الملك من بين يديه، فرام أن ينتقم منه على عجل واحتد حتى غاب عن الصواب فوثب وثبة شديدة بادره الملك فيها بطعنة فصرعه على الأرض يختبط بدمه.
فلما رأته زوجته على تلك الحال غلب عليها الحلم والرأفة وبادرت لملاقاة جراحه، ولكن عوض أن يشكرها لذلك حنق عليها حنقا شديدا وفكر بأنه إذا مات حملها الملك إلى قصره وبات معها في هناء ونعيم فاشتدت عليه الغيرة حتى جمع قواه ورفع السيف الذي كان بيده وطعنها به وهو يقول: موتي أيتها الزوجة الخائنة التي لم تحفظي عهودا أقسمت بالله في بيعته المقدسة على توكيدها إلي وأنت أيها الملك لا تفرح بموتي ومصابي لأنك لا تهنأ بالملك بعدي قال هذا وسلم روحه على حين لم تزل سمات الانتقام مرسومة على وجهه وقد وقعت عليه زوجته وامتزج دمها بدمه.
وأما الملك فإنه لما طعن المركيس زوجته ولم يكن له وقت لمداركة الأمر أظلمت الدنيا في وجهه وكاد يقع على الأرض من عظم الحزن والأمل فبادر إليها لملاقاتها بمثل ما تلافت هي زوجها على حين ما أساء مجازاتها بالقتل فقالت له بصوت ضعيف: أيها الملك الحبيب إن تدراكك أمري الآن لا يحصل منه بعد تمزيق صدري بالسيف ثمرة فليكن ملكك معظما مباركا بعدي وليكن السعد خادما لك ثم إن أباها كان قد سمع صراخها فدخل المقصورة ورأى تلك المشاهدة أمامه فوجم حزينا لا يبدي حركة غير أنها لم تفطن بما هي فيه لقدومه فأكملت كلامها إلى الملك وقالت: إني أودعك أيها الملك وأستودعك الله وأرجو أن تردد ذكري في خاطرك لأن ودادي لك وما لحقه من البلاء ليجرانك على ذلك وأملي منك أنك لا تحنق على أبي بل تكافئه على أمانته لك وتحفظه لك وتعزيه بي على قتلي وتعرفه طهارتي وعزة نفسي وهو الأمر الذي أوصيك به.
قالت هذا وسلمت روحها فوجم الملك ساعة لا يبدي حركة ولا يتكلم بحرف لشدة نزنه، ثم رفع طرفه إلى وزيره وقال له: انظر أيها الوزير ما قدمت يداك، وما دبرت من الحيلة لثبات الملك لي كيف ساءت الحيلة مصيراً فلم يجبه الشيخ بكلمة، لعظم وقوع البلية عليه.
وأنا لا أتعرض الآن لذكر الشعائر التي لا يعبر عنها اللسان وأكتفي من ذلك بالقول: إنه لما رجع الملك ووزيره إلى عقلهما بكيا وأعولاً عيولاً كثيراً حتى كانت حالتهما تفتت الأكباد وتذيب الجماد وبقي الحزن في قلب الملك سنين طويلة وقد حفظ ذكر محبوبته في قلبه سائر أيام حياته ولم يبق له طاقة على الاقتران بسلطانة، فتزوجها أخوه (دون لزريف) وأثار معها فتنة في البلاد لما حدثت نفسه له من وصول الملك إليه إتباعاً لوصية عمه المهرجان غير أن الدائرة دارت عليه ودانت البلاد لأخيه (ألفونس) وخضع له القواد والأمراء أما (فرنان) فإن الحزن والأسف المتسبب من تلك الخطوب غلب عليه حتى ألجأه إلى مبارحة أوطانه فسبحان مغير الأحوال.
كانت من نساء الأنصار التقيات النقيات العابدات اللاتي لهن صحبة حسنة مع النبي صلى الله عليه وسلم وروت عنه الحديث، وأخذ عنها جملة من التابعين، وكانت فصيحة اللسان حلوة العبارة إذا حدثت