رجب لليلة عيد الفطر سنويا أربعون دينارا ذهبا زر محبوب.
ولناظر الوقف سنويا ثلاثون دينارا وللناظر الحسبي عشرة دنانير، وللمباشر مثله والجابي كذلك وأن يصرف في وجوه الخير على ترتبها في أيام الجمعة والعيدين سنويا شرة دنانير ذهبا. وللتربي عشرة ريالات حجر أبو طاقة، ولسبعة قراء بالحرم المكي عشرة ريالات أبو طاقة أيضا فلله در هذه الواقفة فإنها لم تدع بابا للخير إلا فتحته فرحمها الله رحمة واسعة وأكثر الله من أمثالها.
ولدت في سنة 1260 هجرية وهي لغاية الآن على قيد الحياة، ولهذه المترجمة وقائع تشهد لها بالوفاء وتعتبر من العجائب المستغربة قد أخبرتني عنها إحدى السيدات الموثوق بقولهن، ولغرابة هذه الوقائع أحببت درجها في هذا التاريخ لكي تخلد لهذه المترجمة ذكرا مدى الأعصار، وهو أنه كان في مدينة (بولاق) مصر رجل (قبودان) يقال له: سعيد (قبودان) ، وكان قد اقترن بفتاة اسمها السيدة مخدومة شقيقة رائف باشا - أحد رؤساء البحر في الحكومة المصرية - فرزق منها سعيد (قبودان) بنتا فسماها شرفية ولم تمكث في حجر والدها سوى ثمان سنوات حتى توفاه الله. وكان ذلك سنة 1268 هجرية وهو مجاهد في حرب القرم الأخيرة.
وكانت هذه البنت غاية في الرقة واللطف، وقد ربيت على مبادئ حسنة، وقد علمتها والدتها القراءة والكتابة والأشغال اليدوية، وجميع ما تختص به النساء من تطريز وغيره حتى فاقت بنات عصرها، وهي مطيعة لوالدتها منقادة لكلامها وكانت تلك الوالدة تحني عليها ضلوع الرأفة والحنو إلى أن بلغت الثامنة عشرة من سنيها، وكانت في مدينة (إزمير) امرأة متوسطة المقام، وكان قد تركها زوجها منسحبا من بلده ولم تعلم أين ذهب وترك لها ولدا صغيرا، ولكنه يضاهي البدر جمالا والغصن اعتدالا، وما زالت منتظرة تربي ولدها إلى أن فرغ منها المال المدخر معها، ولم تجد ما تقتات به هي وولدها.
وقد تواترت الأخبار عن وجود زوجها في مصر فأخذت ولدها - وكان في سن الثالثة عشرة من سنيه - وحضرت به إلى مصر لتبحث عن والده كما خلد في فكرها وقد نزلت بالأمر المقدور على السيدة مخدومة، فتلقتها على الرحب والسعة وفتحت لها في قلبها فضلا عن منزلها أعظم محل، وكلمت شقيقها رائف باشا في أمرها فبحث عن زوجها فلم يعلم له خبرا.
ولما لم يجده أخذ الغلام وسلمه إلى إحدى المدارس الأميرية، وكان رائف باشا عديم الولد لأنه لم يتزوج أبدا إلى أن بلغ الثمانين من العمر وكانت شرفية في ذلك الوقت لم تتجاوز الثامنة عشرة وكان محمد كمال في سن الثالثة عشرة، وكانت شرفية ربعة القوام ممتلئة الروح، سوداء الشعر والعيون، تخلب لب من يراها.
وأما محمد كمال فإنه طويل القوام نحيل الجسم، أبيض اللون، أشقر الشعر، أزرق العيون مستدير الوجه يميل دمه إلى الخفة مع أنه أقل من كان بهذا الشكل أن يستحصل على هذا الجاذب.
ولما دخل إلى منزل سعيد (قبودان) صارت شرفية تعتني بأمره كل الاعتناء من ملبس ومأكل، وكل ما يلزم له وجميع سد احتياجاته، وكانت والدتها تنظر إليها بعين الاستغراب وتفكر في أمرها وانشغالها بأمر هذا الغلام، ولكنها تراجع نفسها عن الظنون في ابنتها لأنها في هذا السن، ولما دخل المدرسة وبعد عن شرفية كثرت عليها