أين ذاك السرور عند التلاقي ... صار مني تجنبا ونبوا
فطرب حتى كاد أن يشق ثوبه ثم قال لها: هبي لي اليوم نفسك فصعدت به إلى غرفة مشرفة على الكنائس وجاء الراهب بخمر من أحسن الموجود وعاف المتوكل طعامهم فاستحضر أطعمة من عنده، فلما (أخد) منه الشراب أحضر آلة وغنت:
يا خاطبا مني المودة مرحبا ... روحي فداؤك لا عدمتك خاطبا
أنا عبدة لهواك فاشرب واسقني ... واعدل بكأسك عن جليسك إذا أبى
قد والذي رفع السماء ملكتني ... وتركت قلبي في هواك معذبا
فأرغبها حينئذ فأسلمت وتزوجها فكانت من أحظى النساء عنده.
كانت لا تفتر عن البكاء فقيل لها في ذلك قالت: (والله لوددت أن أبكي حتى تنقطع دموعي، ثم أبكي دما حتى لا يبقى جارحة من جسمي فيها دم) . وكانت تقول: (من لم يستطع البكاء فليرحم فإن الباكي إنما يبكي لمعرفته بنفسه وما جنى عليها وما هو صائر إليه) ، وكانت تبكي وتقول: (إلهي إنك لتعلم أن العطشان من حبك لا يروى أبدا) .
وكانت التي تخدمها تقول من منذ ما وقع علي نظر شعوانة ما ملت قط إلى الدنيا ببركتها ولا استصغرت في عيني أحدا من المسلمين وكان الفضل بن العباس - رضي الله عنهما - يأتيها ويتردد إليها ويسألها الدعاء.
اسم غلب على المترجمة نسبة إلى بلدها بالندلس كانت أديبة فاضلة شاعرة ناثرة واشتهر صيتها بالأندلس ونواحيها حتى إنها كانت تجالس الملوك وتناظر الشعراء، ولها جملة قصائد ومقطعات ولم يجمع شعرها بديوان حتى يظهر للعيان. ومن شعرها ما كتبت به إلى السلطان يعقوب المنصور تتظلم من ولاة بلادها وصاحب خراجها، فقالت:
قد آن أن تبكي العيون الآبية ... ولقد أرى أن الحجارة باكية
يا قاصد المصر الذي يرجى به ... إن قدر الرحمن رفع كراهية
ناد الأمير إذا وقفت ببابه ... يا راعيا إن الرعية فانية
أرسلتها هملا ولا مرعى لها ... وتركتها نهب السباع العادية
شلب كلا شلب وكانت جنة ... فأعادها الطاغون نارا حامية
عاثوا وما خافوا عقوبة ربهم ... والله لا تخفى عليه خافية
كانت من العلماء الأكابر المحدثات الصادقات بالرواية تعلمت الخط الجيد وأخذت العلم عن كثير من العلماء