ولقد كنت قد عرفت وأبصر ... ت أمورا لو أنها نفعتني

قلت إن أهوى شفا ما ألاقي ... في خطوب تتابعت فدحتني

فقال سكينة: فهل عندك يا عبيد من صبر، ثم أخرجت دملجا من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالا فرت به إليه ثم قالت: أقسمت عليك إلا ما أدخلته في يدك ففعل ذلك ثم قالت لأشعب: اذهب إلى عزة الميلاء فأقرئها مني السلام وأعلمها أن عبيدا عندنا فلتأتنا متفضلة بالزيارة، فأتاها أشعب فأعلمها فأسرعت المجيء فتحدثوا باقي ليلتهم، ثم أمرت عبيدا وأشعب فخرجا فناما في حجرة مواليها، فلما أصبحت هيئ لهم غداؤهم وأذنت لابن سريج فدخل فتغدى قريبا منها مع أشعب ومواليها وقعدت هي مع عزة وخاصة جواريها فلما فرغوا من الغداء قالت: يا عزان رأيت أن تغنينا فافعلي فقالت: أي وعيشك فتغنت لحنها في شعر عنترة العبسي:

حيي من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم

إن كنت أزمعت الفراق فإنما ... زمت ركابكم بليل مظلم

فقال ابن سريج: أحسنت والله يا عزة وأخرجت سكينة الدملج الآخر من يدها فرمته لها وقالت: صيري هذا في يدك ففعلت. ثم قالت لعبيد: هات غننا. فقال: حسبك ما سمعت البارجة. فقالت: لابد أن تغنينا في كل يوم لحنا، فلما رأى ابن سريج أنه لا يقدر على الامتناع مما تسأله غنى:

قالت من أنت ذكر فقلت لها ... أنا الذي ساقه للحين مقدار

قدحان منك فلا تبعد بك الدار ... بين وفي البين للمبتول إضرار

ثم قالت لعزة في اليوم الثاني غني فغنت لحنها في شعر الحارث بن خالد:

وقرت بها عيني وقد كنت قبلها ... كثير البكاء مشفقا من صدودها

وبشرة خود مثل تمثال بيعة ... تظل النصارى حوله يوم عيدها

قال ابن سريج: والله ما سمعت مثل هذا قط حسنا ولا طيبا ثم قالت لابن سريج: هات، فاندفع يغني:

أرقت فلم أنم طربا ... وربت مسهدا نصبا

لطيف أحب خلق الله ... إنسانا وإن غضبا

فلم أردد مقالتها ... ولم أك عاتبا عتبا

ولكن صرمت حبلي ... فأمسى الحبل منقضبا

فقالت سكينة: قد علمت ما أردت بهذا وقد شفعناك ولم نردك وإنما كانت يميني على ثلاثة أيام فاذهب في حفظ الله وكلاءته، ثم قالت لعزة: إن شئت أقمت أو انصرفت ودعت لها بحلة، ولابن سريج بمثلها، وانصرفت وأقام عبيد حتى انقضت ليلته وانصرف فمضى من وجهه إلى مكة راجعا.

واجتمع يوما نسوة عند سكينة بنت الحسين - عليهما السلام- وهن بالمدينة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن مجلسه وحديثه وتشوقن إليه وتمنينه فقالت سكينة: أتا آتي لكن به فبعثت إليه رسولا وهو يومئذ بمكة ووعدته أن يأتيها في الصورين في ليلة سمتها له فوافاها على رواحله ومعه الغريض فحدثهن حتى وافى الفجر وحان انصرافهن فقال لهن: إني والله مشتاق إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئا، ثم انصرف إلى مكة وقال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015