عليهن دلوكة وكانت ذات شرف وحكمة ودراية وكان عمرها مائة وستين سنة، فخافت أن يتناولها الملوك فجمعت نساء الأشراف وقالت لهن: إن بلادنا لم يكن يطمع فهيا أحد ولا يمد عينه إليها وقد هلك أكابرنا وأشرافنا وذهب السحرة الذين كنا نقوى بهم وقد رأيت أن أبني حصنا أحدق به جميع بلادنا فأضع عليه المحارس من كل ناحية فإنا لا نأمن من أن يطمع فينا الناس.
فبنت هذا الحائط، وأحاطت به جميع أرض مصر المزارع والمدائن والقرى وجعلت دونه خليجا يجري فيه الماء وأقامت القناطر والترع وجعلت فيه المسالح المجالس على كل ثلاثة أميال مجرس ومسلحةن أي محل للسلاح والمجارس صفان على كل ميل وجعلت في كل مجرس رجالا وأجرت عليهم الأرزاق وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس فإذا أتاهم آت يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض بالأجراس فيأتيهم الخبر بأي وجه كان في ساعة واحدة فينظرن في ذلك فمنعت بذلك مصر ممن أرادها وفرغت من بنائه في ستة أشهر على ما قيل. وقيل: إنها بنته خوفا على ولدها لا، هـ كان كثير القنص فخافت عليه من سباع البر والبحر واغتيال من جاور أرضهم من الملوك والبوادي فحوطت الحائط من التماسيح وغيرها.
قال المقريزي: وقد بقي من حائط العجوز بقايا كثيرة في بلاد الصعيد وهو مبني من اللبن الكبار.
امرأة فلسطينية من وادي "سوريف" أحبها "شمشون" فعرف أقطاب الفلسطينيين بحبه لها وقالوا لها: أنظري بماذا قوته العظيمة وبماذا نتمكن منه حتى نوقعه أو نقهره ونحن ندفع إليك كل منا ألفا ومائة درهم من الفضة فقالت: ل "شمشون": أخبرني بماذا قوتك العظيمة وبماذا توثق لتقهر؟ فقال لها: إذا أوثقوني بسبعة أوتار طرية لم تحف بعد فإني أضعف وأصير كواحد من الناس، فدفعوها إليها فشدته بها والكمين رابض عندها في المخدع.
ثم قالت له: قد دهمك الفلسطينيون فقطع الأوتار كما يقطع خيط المشاقة إذا أشيط فقالت له: لقد خدعتني فأخبرني بماذا توثق فقال: إن أوثقوني بحبال جديد لم تستعمل قط فإني أضعف وأصير كواحد من الناس ففعلت كما فعلت في المرة الأولى فقطع الحبال كالخيط فكررت السؤال فقال لها: إذا ضفرت سبع خصل من شعر رأسي وربطت بها كالوتد فإني أصير كباقي الرجال فأخذت منه سبع خصل من السرى فمكنتها بالوتد وقالت له: قد دهمك الفلسطينيون فاستيقظ من نومه وقلع الوتد والنسيج والسرى فعاتبته على مخادعتها وكانت تضايقه كل يوم بكلامها وتضاجره حتى تاقت نفسه إلى الموت فأطلعها على ما في قلبه وقال لها: لم يعل راسي لأني ناسك لله من بطن أمي فإن حلقت رأسي فارقتني قوتي.
ورأت "دليلة" أنه قد كاشفها بكل ما في قلبه، فأرسلت ودعت أقطاب الفلسطينيين وقالت: اصعدوا هذه المرة فأضجعته على ركبتيها ودعت رجلا فحلق سبع خصل رأسه ثم قالت له: دهمك الفلسطينيون فاستيقظ ووجد أن قوته قد فارقته فقبضوا عليه وتلقبت "دليلة" بالمحتالة لاحتيالها على "شمشون" -كما مر- وخبرها في سفر القضاة "الإصحاح السادس عشر" منالتوراة.
كانت جارية صفراء من مولدات المدينة كان مولاها قد أدبها وخرجها في الأدب والشعر والغناء حتى صارت أدرى الناس بالغناء القديم وأكمل الجواري آدابا، وأكثرهن رواية للغناء والعشر، وأحسنهن