وسليمان ولادة بنت العباس بن جزي بن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسي، فلما ماتت الثريا أتى الغريض المغني إلى كثير بن كثير السهمي فقال له: قل لي أبيات شعر أنح بها على الثريا فقال له هذين البيتين:
ألا يا عين ما لك تدمعينا ... أمن رمد بكيت فتكحلينا
أم أنت حزينة تبكين شجوا ... فشحوك مثله أبكى العيونا
هي ابنة أكساسيو القبرصي، حارس الأدباب في الملعب، فلما مات أبوها باتت مع أختيها كومينو وأنسطاسيا في حالة فقر يرثى لها وجميعهن صغيرات فيالسن لا يتجاوز عمر الكبرى سبع سنوات، وكانت ثيودروا جميلة حسناء فقيرة فلم تجد سبيلا للكسب إلا الانخراط في سلم الممثلات، فأعجبت الناس بمهارتها واتخذت خلانا وبدلت أحبة لتعيش في راحة وهناء.
قيل: إنها كانت في بلاد بافلاغونيا فحلمت أنها ستصير امرأة ملك قوي فعادت إلى القسطنطينية مسرعة وتابت واتخذت لها بيتا عاشت به بالبر والطهارة والتقوى تشتغل الليل والنهار بأشغال يدوية لتعيش وتساعد المساكين فعلم بها بوستينان ونظرها فتيمه هواها وشغفه جمالها والباهر وأعجبه نشاطها وعفتها، فاقترن بها على رغم مضادة أمه ونسبائه والشرائع القديمة التي تحظر على الشريف أن يقترن بعبيده أو ممثلة أو غريبة وأغرى عمه بستين على إصدار أمر يخالف القانون ويبطله ويفتح سبيلا لتوبة بنات الهوى وأملهن بالارتقاء إلى أعلى الدرجات وذروة المجد والفخار ولما تولى بوستينان العرش شارك امرأته بالملك وأجلسها على عرشه ووضع التاج القيصري على هامته وهامة ثيودورا الممثلة بنت أكاسيوس حاري الأدباب ولم تنج هذه الملكة بتوبتها من هجو العالمين، فرشقتها ألسنة المبغضين المضادين بسهام الاحتقار والتنديد وجهدوا في تذكيرها حالتها الأولى ونكايتها بكل أوان فهجرت لذلك مدينة القسطنطينية وعاشت بقصورها وجناتها الواقعة على شاطئ البوسفور، واعتزلت الناس، وانتقمت منهم ما استطاعت وكان زوجها في ابتداء ملكها مريضا فبذلت جهدا في جمع الموال ليمكنها أن تعيش بها عزيزة بعده مكرمة. والحق يقال: إن ثيورودا كانت امرأة ذكية فاضلة أتت أعمالا عظيمة مبرورة مشكورة وساعدت زوجها في السياسة أشد المساعدة بآرائها وحكمتها ولكن الشعب اليوناني أبغضها لاتباعها مذهب أفتيس ومضادتها بعض الأساقفة.
وفي حزيران سنة 548 م ماتت بعلة رديئة كست جسمها بثورا فتكون مدة ملكها 22 سنة.
ومن أعمالها السديدة ما كان في وقت الثورة المشهورة التي حصلت في القسطنطينية في أيام ملك بوستينان وقد اجتمع الملك والوزراء والعظماء حائرين مضطرين يرجون بالهرب خلاصا فنهضت الملكة ثيودورا.
وقالت: إنني أحتقر الفرار إلا من الراحة والسلام فإلى الموت مصير الإنسان وحياة الأمراء المالكين كالعدم بعد فقدهم العز والملك فأطلب إلى الله أن لا يجعلني يوما واحدا عارية من التاج وأدوات الزينة الملكية بل يميتني قبل خلعي وسقوطي عن منصة الفخر والمجد، وإذا اعتمدت أيها الملك على الهرب فجميع وسائله ميسورة لك فهذه خزائنك ملأى بالذهب والجواهر، وهذا البحر مغطى بالسفن المواخر ولكن خف من يوم تعيش به عيشة دنيئة محتقرة في المنفى.
أما أنا فناهجة منهج القدماء القائلين: إن العرش