مَا يَتَغَذَّى بِهِ (أَوْ دَوَاءً) مَا يُتَدَاوَى بِهِ وَالضَّابِطُ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ بَدَنِهِ لِجَوْفِهِ وَمِنْهُ رِيقُ حَبِيبِهِ فَيُكَفِّرُ لِوُجُودِ مَعْنَى صَلَاحِ الْبَدَنِ فِيهِ دِرَايَةٌ وَغَيْرُهَا وَمَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْحَدَّادِيِّ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ (عَمْدًا) -

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ كَالْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، وَإِنَّمَا عَدَّ الْمَاءَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَغْذُو لِبَسَاطَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعِينٌ لِلْغِذَاءِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَمَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ) حَيْثُ قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ وَتَنْقَضِيَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الثَّانِي يُكَفِّرُ لَا عَلَى الْأَوَّلِ وَبِالْعَكْسِ فِي الْحَشِيشَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا لِلْبَدَنِ، وَرُبَّمَا تُنْقِصُ عَقْلَهُ وَيَمِيلُ إلَيْهَا الطَّبْعُ وَتَنْقَضِي بِهَا شَهْوَةُ الْبَطْنِ. اهـ.

مُلَخَّصًا وَقَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّهُ يُعِيدُ عَنْ التَّحْقِيقِ إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَكُونُ قَوْلُهُمْ أَوْ دَوَاءٌ حَشْوًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَى الْفِطْرِ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً يُقَابِلُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ فِي تَحْقِيقِ مَحَلِّ الْخِلَافِ. اهـ.

أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَعْنَى الْفِطْرِ لَا التَّغَذِّي لَكِنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِي مَعْنَى التَّغَذِّي وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا فِي مَعْنَى الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى فَفِي الْأَكْلِ الْفِطْرُ صُورَةً هُوَ الِابْتِلَاعُ وَالْمَعْنَى كَوْنُهُ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الْبَدَنُ مِنْ الْغِذَاءِ أَوْ دَوَاءً، فَلَا تَجِبُ فِي ابْتِلَاعِ نَحْوِ الْحَصَاةِ لِوُجُودِ الصُّورَةِ فَقَطْ، وَلَا فِي نَحْوِ الِاحْتِقَانِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فَقَطْ كَمَا عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا تَجِبُ بِإِيصَالِ مَا يَقْصِدُ بِهِ التَّغَذِّيَ أَوْ التَّدَاوِيَ إلَى جَوْفِهِ مِنْ الْفَمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَلَا تَجِبُ فِي ابْتِلَاعِ الْجَوْزَةِ أَوْ اللَّوْزَةِ الصَّحِيحَةِ الْيَابِسَةِ لِوُجُودِ الْأَكْلِ صُورَةً لَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ فَصَارَ كَالْحَصَاةِ وَالنَّوَاةِ وَلَا فِي أَكْلُ عَجِينٍ أَوْ دَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّغَذِّيَ وَالتَّدَاوِيَ وَلَوْ أَكَلَ وَرَقَ شَجَرٍ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ عَادَةً وَجَبَتْ وَإِلَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الْبُزَاقُ مِنْ فَمِهِ، ثُمَّ ابْتَلَعَهُ وَكَذَا بُزَاقُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَعَافُ مِنْهُ وَلَوْ بُزَاقُ حَبِيبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ وَجَبَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعَافُهُ وَلَوْ أَخْرَجَ لُقْمَةً ثُمَّ أَعَادَهَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِحَالٍ يَعَافُ مِنْهَا اهـ مُلَخَّصًا.

وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا يَتَغَذَّى بِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ عَادَةً عَلَى قَصْدِ التَّغَذِّي أَوْ التَّدَاوِي أَوْ التَّلَذُّذِ فَالْعَجِينُ وَالدَّقِيقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَالْغِذَاءُ لَكِنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِذَلِكَ وَاللُّقْمَةُ الْمُخْرَجَةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لِعِيَافَتِهَا خَرَجَتْ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ حُكْمًا كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَعَادَ بِنَفْسِهِ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ عَادَةً لِعِيَافَتِهِ بِخِلَافِ رِيقِ الْحَبِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِهِ كَمَا قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْكَنْزِ فَصَارَ مُلْحَقًا بِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَمِثْلُهُ الْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَيْضًا مَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ ذُكِرَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ مَتَى أَفْطَرَ بِمَا يُتَغَذَّى بِهِ؛ لِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ لِلزَّجْرِ عَمَّا يُؤْكَلُ عَادَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْهُ ثَابِتٌ طَبِيعَةً كَشُرْبِ الْخَمْرِ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الزَّجْرِ بِخِلَافِ شُرْبِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ، ثُمَّ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ عَادَةً مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمُلْحَقٌ بِمَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُغَذِّيًا وَالدَّوَاءُ مُلْحَقٌ بِمَا يُتَغَذَّى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ الْبَدَنِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفُرُوعَ إلَى أَنْ قَالَ فِي اللُّقْمَةِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا فَلَا كَفَّارَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِحَالٍ تُسْتَقْذَرُ وَيُعَافُ مِنْهَا فَدَخَلَ الْقُصُورُ فِي مَعْنَى الْغِذَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِأَكْلِ اللَّحْمِ النِّيئِ وَلَوْ مِنْ مَيْتَةٍ إلَّا إذَا أَنْتَنَ وَدَوَّدَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّ عِيَافَةً مِنْ اللُّقْمَةِ الْمُخْرَجَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ فِي ذَاتِهِ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ التَّغَذِّي وَصَلَاحُ الْبَدَنِ بِخِلَافِ اللُّقْمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْعَجِينِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَوَّدَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْبَدَنَ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: عَمْدًا) خَرَجَ الْمُخْطِئُ وَالْمُكْرَهُ بَحْرٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015