به، والمساجد تنزه عن اللهو وأن لا يدوم عليه فمطلق سماع الصوت الحسن لا نكير عليه إلا أن يعرض لذلك مانع على ما تقدم وبالله التوفيق.
ذكر هذا ليتجنب الموفق منه ما حقه أن يجتنب فإن اللهو إسراف في العمر وكان الشيخ يحيى ابن عمر العالم العامل ينكر جميعه وكان الفقهاء في زماننا بأفريقية يحضرون السماع وكان يعيب عليهم ذلك وكان يسميهم القوالين المغيرين فكان يقول سبحان الله ما للقرآن إذا تلاه المغير يخشع وإذا تلاه غيره لا يخشع فقال لهم زعيمهم أنا أسببه لكم أو كيفما قال فجاء إلى محل يستمع الشيخ فقرأ فدعا عليه الشيخ فبح وفسد صوته وكان يرى ذلك من كراماته
واعلم أن أضر الأسباب الخارقة للمروءة الانهماك في طلب الرزق والافراط فيه حتى لا يشعر بنفسه في أي باب هو وما يأتيك من ذلك قد فرغ منه قبل بروزك إلى هذا الوجود وإن أبشع وأفظع ما يؤتى في طلبه من تلك الأبواب اكتسابه بالدين وأكله بذات التقى وليس من المتقين وسيبتلي يوم تبلى السرائر ولا ناصر له من المنتصرين ونسأل الله ستره يوم اسبال ستره على المذنبين آمين
قال الغزالي واحذر أن تعطي بالدين وذلك أن يعطيك لظنه بأنك ورع تقي فتأكل بالدين لكن شرط حله أن لا يكون في باطنك ما لو اطلع عليه المعطي لامتنع عليك من العطاء فلا فرق بين ما يأخذه بالتصوف والتقوى وهو ليس متصفاً به باطناً وبين من يزعم علوي ليعطي وهو كاذب وكل ذلك حرام عند أولي البصائر وإن أفتى الفقيه الحل بناء على الظاهر اهـ، وكذلك على من تصدر في الامامة والشهادة وهو يعلم الجرحة في نفسه أو تصدر للفتيا أو للقضاء وهو لم يتقنهما بشرائطهما وهذا على القياس والله أعلم، ولم يكتب الكاتب هذا على تبرئة بل لتقوم حجة الله وما منا إلا له مقام معلوم عنده في التستر به عن الناس اللهم يسر علينا أحسن المخارج
(واعلم) أن يجوعون يوم القيامة جوعاً شديداً فمنهم آكل وغير آكل وربما استغرب ذلك من سمعه فنورد من ذلك أدلة صريحة على وقوعه لمن كان أهلاً من ذلك فمن العلوم الفاخرة لسيدي عبد الرحمن الثعالبي رحمه الله تعالى أخرج أبو بكر بن الخطيب عن ابن مسعود رضي الله عنه قال يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأعرى ما كانوا قط وأنصب ما كانوا قط فمن أطعم لله أطعمه ومن سقى لله سقاه ومن كسى لله كساه ومن عمل لله كفاه
وذكر القرطبي أنه يحشر الناس عراة غرلاً أعطش ما كانوا وأجوع ما كانوا قط فلا يسقى ذلك اليوم إلا من سقى لله ولا يطعم إلا من أطعم لله