أما الآن؛ فإذا قلنا: إن التفسير بالرأي إذا استوفى شروطه، واستكمل العلوم اللازمة جائز؛ فما هو المنهج القويم في تفسير القرآن الكريم؟
نستطيع أن نقول: إن المنهج القويم لمن يفسر كتاب الله تعالي يجب عليه أن يبحث في القرآن عن معنى الآيات؛ فإن لم يجد تفسير القرآن بالقرآن، فليطلبه فيما صح وثبت في السنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن لم يجد فليطلبه في أقوال الصحابة، وليتحاشى الضعيف والموضوع والإسرائيليات؛ فإن لم يجد في أقوال الصحابة، فليطلبه في أقوال التابعين.
ويلاحظ أن التابعين إذا اتفقوا على شيء كان ذلك أمارة غالبًا على تلقيه عن الصحابة، أما إذا اختلفوا فلنتخير من أقوالهم، ونرجح ما يشهد له الدليل؛ فإن لم نجد في أقوالهم ما يصلح أن يكون تفسيرًا للآية؛ فليجتهد المفسر رأيه، ولا يقصر إذا كان مستكملًا لأدوات الاجتهاد، وعليه أن يراعي القواعد الآتية التي أسوقها باختصارٍ:
1 - أن يتحرى في التفسير مطابقة المُفَسِّر للمُفَسر، وأن يتحرز في ذلك عن نقص لما يحتاج إليه في إيضًاح المعنى، أو زيادة لا يحتاج إليها.
2 - أن يعنى بأسباب النزول؛ فإن أسباب النزول كثيرًا ما تعين على فهم المراد من الآية.
3 - أن يعنى بذكر المناسبات بين الآيات، وقد اختلفت مناهج المفسرين في هل المناسبة أولًا أو سبب النزول؟ فمنهم من يذكر المناسبة؛ لأنها المصححة لنظم الكلام وهي سابقة عليه، وبعضهم يذكر السبب أولًا؛ لأن السبب مقدم على المسبب، وبه يتضح المعني. والتحقيق: أن التفصيل بين أن يكون وجه المناسبة متوقفًا على سبب النزول كقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء: 58) فهذا ينبغي تقديم السبب على المناسبة؛ لأنه حينئذ من باب تقديم الوسائل على المقاصد، وإن لم يتوقف وجه المناسبة على السبب؛ فالأولى تقديم المناسبة.