بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العشرون
(نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي)
الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
وكذلك أنكر هذه القصة القاضي أبو بكر بن العربي، وطعن فيها من جهة النقل، ولما سئل محمد بن إسحاق بن خزيمة عن هذه القصة، قال: هذا من وضع الزنادقة، وصنف في ذلك كتابًا، كما قال الإمام الرازي في تفسيره وفي الألوسي أيضًا نقلًا عن (تفسير البحر) أنه محمد بن إسحاق جامع السيرة، ولكن تبين لنا أن ابن إسحاق جامع السيرة ذكرها في (سيرته)؛ فربما كان ابن خزيمة هو الشخص الآخر.
على كل حال ذهب إلى أن هذه القصة موضوعة الأئمة؛ منهم: الإمام أبو منصور الماتريدي في كتاب (حصص الأتقياء) حيث قال: الصواب أن قوله: "تلك الغرانيق العلا" من جملة إيحاء الشياطين إلى أوليائه من الزنادقة؛ حيث إنهم يلقوا بين الضعفاء وأرقاء الدين هذا الكلام؛ ليرتابوا في صحة الدين، وحضرة الرسالة بريئة من مثل هذه الرواية.
فهكذا نري أن العلماء قد أنكروها، وقضوا بوضعها، ونحن أذا أوجزنا القول؛ نقول: إن هذه القصة لم يخرجها أحد ممن التزم الصحيح، والتحقيق العلمي يثبت أن حديث الغرانيق مكذوبٌ مختلق وضعه الزنادقة الذين يحاولون إفساد الدين، والطعن في خاتم الأنبياء والمرسلين محمد -عليه الصلاة والسلام- والقصة مصادمة للقرآن فقولهم: إن الشيطان تسلط على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالزيادة هذا كذب؛ لأن الله تعالي يقول: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (الحجر: 42)، ليس هناك أحدٌ أحق بهذه العبودية من الأنبياء؛ فبطلان القصة من جهه العقل واضح، وقد أجمعت الأمة وقام الدليل على عصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- من مثل هذا.