نعود إلى استكمال هذا الحديث، الذي ذكره لنا الإمام السيوطي -رحمه الله- في (تدريب الراوي)، يقول: هذا الحديث: "إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت، فخلق نفسه منه" لا يضعه مسلم ولا عاقل، والمتهم به محمد بن شجاع كان زائغًا في دينه، وفيه أبو المهزم؛ قال شعبة: رأيته ولو أعطي درهمًا وضع خمسين حديثًا.

سادسًا: من علامات وضع الحديث الراجع إلى متنه: أن يكون الحديث مخالفًا لما ثبت من حقائق تاريخية.

وذلك كالحديث الذي رواه ابن الجوزي في (الموضوعات) في فضائل السيدة فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث وَرَدَ من طريقين عن عمر -رضي الله عنه- ومن أربعة طرق عن عائشة -رضي الله عنها- وينص هذا الحديث على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان كثيرًا ما يقبل فاطمة، فقالت له أم المؤمنين عائشة: يا رسول الله، أراك تفعل شيئًا لم تفعله، قال: "أو ما علمتي يا حميراء، أن الله -عز وجل- لما أسري بي إلى السماء أمر جبريل فأدخلني الجنة، ووقفني على شجرة، ما رأيت أطيبَ منها رائحةً، ولا أطيبَ ثمرًا، فأقبل جبريل يفرك، ويطعمني، فخلق الله -عز وجل- في صلبي منها نطفة، فكما صرت إلى الدنيا، وو اقعت خديجة فحملت بفاطمة، كلما اشتقت إلى رائحة تلك الشجرة شممت نحو فاطمة، فوجدت رائحة تلك الشجرة فيها، وأنها ليست من نساء أهل الدنيا، ولا تفعل، كما يفعل أهل الدنيا".

هناك روايات فيها أكثر من ذلك، قال عن هذا الحديث ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، لا يشك المبتدئُ في العلم في وضعه، فكيف بالمتبحر؟ ولقد كان الذي وضعه أجهل الجهال بالنقل والتاريخ، فإن فاطمة ولدت قبل النبوة بخمسِ سنين، وقد تلقفه منه جماعة أجهل منه؛ فتعددت طرقه، وذكره الإسراء كان أشد لفضيحته، فإن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة بعد موت خديجة -رضي الله عنها- فلما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015