خامسًا: ما أوردوه من أن الملائكة أخذوا بضبعي إبراهيم؛ يعني: الملائكة أمسكت إبراهيم من عضديه؛ فأجلسوه على الأرض، فإذا عين ماءٍ عذب، وورود ونرجس وأشياء عطرة، وأنّ النار لم تحرق إلا الوثاق - أي: الرباط الذي كان يُربط به - وأن مُكثه بقاءه في النار كان أربعين يومًا، أو خمسين.
يُجاب عن هذا: بأنه لا مانع من ذلك في قدرة الله -جل وعلا- غير أنه يتوقف على نقلٍ صحيح؛ فليس كل كلامٍ يُقبل يكون ثابتًا؛ وحيث لا يوجد نقل صحيح؛ فنحن أمام هذه الروايات في حل، وإذا علمنا أنها من رواية محمد بن مروان السدي، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، كما جاء في كتاب (زاد المسير) وغيره من التفاسير علمنا قيمة هذه الروايات؛ إذ لا قيمة لها.
بهذا استبان مما لا يدع مجالًا للشك أنها من الإسرائيليات التي يذكرها الرواة عن أهل الكتاب، وموقفنا منها أنها من قبيل ما لا يُصدق ولا يكذب؛ فإلقاء إبراهيم في النار هذا حقيقة، والوقوف أمام ذلك هذه آية؛ لكن أن نتجاوز ما دلت عليه الآية من التفاصيل والكيفيات التي لم يرد بها نصٌّ؛ فهذا شيء لا يلزمنا؛ إبراهيم -عليه السلام- نطقت الآية بأنه ألقي في النار، وأن الله -جل وعلا- بقدرته أمر فقال: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيم}.
سادسًا: من الدخيل في قصة إبراهيم ونختم به ولا نطيل؛ ما ذكر عن ملك الظل الذي أرسله الله إلى إبراهيم؛ ليؤنسه في محنته، وأن النمرود أشرف عليه من سرحه، ورآه جالسًا؛ فناداه يا إبراهيم، هل تستطيع الخروج من النار، قال: نعم، قال: فاخرج؛ فخرج فاستقبله النمرود، وقال: ملك الظل كان معه، قال: لأقربن لإلهك قربانًا لما رأيت -الكلام الذي سبق ذكره- وأنه قال -عليه الصلاة والسلام- للنمرود: لا يقبل الله منك ما دمت على دينك؛ فقال: لا أستطيع تركه، وأنه