وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أرَ تطويل الكتاب بذكرها؛ لأن منها ما هو موضوع من وضع بعض زنادقتهم، ومنها ما قد يُحتمل أن يكون صحيحًا، ونحن في غنية عنها، ولله الحمد، وفيما قص الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبلها، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم، وقد أخبر الله عنهم أنهم لما طغوا وبغوا سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم، وأذلهم، وقهرهم؛ جزاء وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمرّدوا، وقتلوا خلقًا كثيرًا من الأنبياء والعلماء. راجع في ذلك (تفسير ابن كثير)، و (تفسير البغوي) أيضًا.
أما التفسير الصحيح للآية وبه نختم؛ فنقول: وهذا هو الحق الذي ينبغي أن يُصار إليه في الآية، والقصص القرآني لا يُعنى بذكر الأشخاص ولا الأماكن؛ لأن الغرض منه العبرة والتذكرة والتعليم والتأويل، والذي دلَّت عليه الآية أنهم أفسدوا مرتين في الزمن الأول، وظلموا وبغوا؛ فسلط الله عليهم في الأولى من أذلَّهم وسباهم، ولا يعنينا أن يكون هذا الذي أذلهم هـ و " سنجاريب " أو "بختنصر" وجيشه، أو غيره؛ إذ لا يترتب على العلم به فائدة تُذكر، وسلط الله عليهم في الثانية من أذلهم وساء وجوههم، ودخل المسجد الأقصى فأفسد فيه ودمَّر، ولا يعنينا أن يكون هذا الذي نكَّل بهم هو " طيطوس " الروماني أو غيره؛ لأن المراد من سياق قصته ما قضاه الله على بني إسرائيل أنهم أهل فساد وبطر وظلم وبغي، وأنهم لما أفسدوا وطغوا وتجبروا سلط الله عليهم من عباده من نكَّل بهم وأذلَّهم وسباهم وشرَّدهم.
ثم إن الآيات دلَّت أيضًا على أن بني إسرائيل لا يقف طغيانهم ولا بغيهم وإفسادهم عند المرتين الأوليين، بل الآية توحي بأن ذلك مستمر إلى ما شاء الله، وأن الله سيسلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويبطش بهم ويردّ ظلمهم