والظاهر المتعين أن إلقاء سيدنا موسى بالألواح إنما كان غضبًا وحميَّة لدين الله، وغيرة لانتهاك حرمة توحيد الله - تبارك وتعالى -، وأما ما ذكره قتادة فغير مُسلَّم.
وإن كنا نرى أن المعاني التي وردت أن أمة الإسلام أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- هم سابقون إلى الجنة، نعم، وأن قرآنهم يُحفظ في الصدور أناجيلهم في صدورهم هذه ميزة لأمة الإسلام؛ إذ لا نجد أمة من الأمم تحفظ كتابها ووحيها كأمة الإسلام التي جعل الله لها القرآن الكريم ميسرًا {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرٍِ} (القمر: 17)، والأوصاف التي وردت في الصدقات وفي الحسنات وفي الشفاعات كلها ما شاء الله من فضائل أمة الإسلام.
وإليك ما قاله الإمام الحافظ الناقل ابن كثير في ت فسيره عند هذه الآية قال: ثم ظاهر السياق أنه -أي: سيدنا موسى- ألقى الألواح غضبًا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفًا وخلفًا.
وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولًا غريبًا لا يصح إسناده إلى حكاية قتاد ة، وقد ردَّه ابن عطية وغير واحد من العلماء، وهو جدير بالرّدّ، وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب، وفيهم كذَّابون وواضعون وأفاقون وزنادقة، وصدق ابن كثير فيما قال, وأرجح أن يكون من وضع زنادقتهم كي يظهروا الأنبياء بمظهر المتحاسدين، لا بمظهر الإخوان المتحابين.
قال الإمام القرطبي عند تفسير قوله: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ}؛ أي: مما اعتراه من الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل، وعلى أخيه في إهمال أمرهم، قال سعيد بن جبير: ولذا قيل: ليس الخبر كالمعاينة، ولا التفات لما رُوي عن قتادة إن صح، ولا يصح؛ ولا يصح أن إلقاء الألواح إنما كان لما رأى من فضيلة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن ذلك ل أمته، فهذا قول رديء لا ينبغي أن يضاف إلى موسى -عليه السلام.