ملائكة السماء كلهم يقولون بشدة أصواتهم: سُبّوح قُدّوس رب الملائكة والروح، رب العزة أبدًا لا يموت، وفي رأس كل ملك منهم أربعة أوجه، فلما رآهم موسى رفع صوته يُسبح معهم حين سبحوا، وهو يبكي ويقول: ربي اذكرني ولا تنسَ عبدك، لا أدري أأنفلت مما أنا فيه أم لا، إن خرجت احترقت، وإن مكثت مت، فقال له كبير الملائكة ورأسهم: قد أوشكت يا بن عمران أن يشتدَّ خوفك وينخلع قلبك فاصبر للذي رأيت، هذا كلام كما يعلق عليه صاحب كتاب الشيخ أبو شهبه كيف يتفق هذا، وما ذُكر قبل من شدة خوفه وفزعه في المرات الخمس؟ هذا من إمارات الوضع والتهافت.
ثم أمر الله أن يحمل عرشه ملائكة السماء السابعة، فلما بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب - جل جلاله -، ورفعت ملائكة السماء أصواتهم جميعًا يقولون: سبحان الملك القدوس رب العزة أبدًا لا يموت بشدة أصواتهم، فارتجَّ الجبل واندكَّت كل شجرة كانت فيه وخر العبد الضعيف موسى صعقًا على وجهه ليس معه روحه، فأرسل الله برحمته الروح فتغشَّاه، وقلب عليه الحجر الذي كان عليه موسى وجعله كهيئة القبة لئلا يحترق موسى، فأقام موسى يسبح الله ويقول: آمنت بك ربي وصدقت أنه لا يراك أحد، فيحيى من نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه فما أعظم ملائكتك وما أعظمك، أنت رب الأرباب، وإله الآلهة، وملك الملوك، ولا يعدلك شيء، ولا يقوم لك شيء، ربي تبت إليك، الحمد لله لا شريك لك، ما أعظمك، وما أجلك رب العالمين، فذلك قوله - تعالى -: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (الأعراف: 143).
وبعد أن ذكر الأقوال الكثيرة فيما تبدَّى من نور الله قال: ووقع في بعض التفاسير أنه طارت لعظمته ستة أجبل، وقع ثلاثة بالمدينة؛ أحد وورقان ورضوى، وو قع ثلاثة بمكة، ثور وسبير وحراء.