وهذه نماذج من أحوال السلف وخشيتهم لله تعالى، فهذا معاذ بن جبل ينام على فراش الموت ويدخل عليه الليل فيشتد به الألم والوجع فينظر إلى أصحابه ويقول: هل أصبح النهار؟! هل أصبح النهار؟! فيقولون: لا لم يصبح بعد، فيبكي معاذ بن جبل حبيب رسول الله الذي قال: (والله يا معاذ إني لأحبك) يبكي ويقول: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار.
يخشى معاذ بن جبل أن يكون من أهل النار!! وهذا هو فاروق الأمة عمر بن الخطاب الذي أجرى الله الحق على لسانه وقلبه، ينام على فراش الموت فيدخل عليه ابن عباس ليذكره وليثني عليه الخير كله، فيقول عمر: والله إن المغرور من غررتموه، والله لو أن لي ملء الأرض ذهباً لافتديت به اليوم من عذاب الله قبل أن أراه.
ثم قال عمر: وددت أن أخرج من الدنيا كفافاً لا لي ولا علي.
وهذه هي عائشة تُسأل عن قول الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:32] فتقول عائشة: يا بني! أما السابق بالخيرات فهؤلاء الذين ماتوا مع رسول الله وشهد لهم رسول الله بالجنة، وأما المقتصد فهؤلاء الذين اتبعوا أثر النبي حتى ماتوا على ذلك، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك.
فجعلت عائشة نفسها معنا، جعلت عائشة نفسها من الظالمين لأنفسهم!!! وهذا هو سفيان الثوري إمام الدنيا في الحديث، ينام على فراش الموت فيدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له حماد: أبشر يا أبا عبد الله! إنك مقبل على من كنت ترجوه وهو أرحم الراحمين.
فبكى سفيان وقال: أسألك بالله يا حماد أتظن أن مثلي ينجو من النار؟!! ونحن جميعاً نقول: من منا لن يدخل الجنة؟! من منا لن يشفع له رسول الله؟! ها هو الحديث في البخاري يبين لنا فيه الحبيب النبي أنه سيحال بينه وبين أقوام من هؤلاء الذين حرَّفوا وبدَّلوا وانحرفوا عن سنته صلى الله عليه وسلم.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.