الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! من أسعد الناس بشفاعة المصطفى يوم القيامة؟ هذا هو عنصرنا الثاني من عناصر هذا اللقاء لتكتمل الفائدة في باب الشفاعة، فإنه من أنفس أبواب العلم.
من أسعد الناس بشفاعة الحبيب؟! ليحاسب اليوم كل واحد منا نفسه أين هو من الحبيب؟! من يدعي حب النبي ولم يفد من هديه فسفاهة وهراء فالحب أول شرطه وفروضه إن كان صدقاً طاعة ووفاء قال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]، هل امتثلت أمره؟! هل اجتنبت نهيه؟! هل وقفت عند الحدود التي حدها لك المصطفى؟! أسئلة يجب أن يسأل كل مسلم صادق عنها نفسه؛ ليحدد موقعه من منهج وطريق رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه، من أسعد الناس بالشفاعة يوم القيامة؟ والجواب في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فهو صاحب هذا السؤال الجليل، قال أبو هريرة: (من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة يا رسول الله؟ فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: لقد ظننت أنه لا يسألني عن هذا السؤال أحد قبلك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث يا أبا هريرة! أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه).
وفي رواية ابن حبان: (أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، يصدق قلبه لسانه، ويصدق لسانه قلبه).
وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً).
هذا هو الشرط، وهذا هو أسعد الناس بشفاعة الحبيب: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) حقق التوحيد لله، فمن الناس الآن من يردد بلسانه: لا إله إلا الله، ولم يصدق قلبه هذه الكلمة، ولم يخلص العبادة لله جل وعلا، بل تراه يصرف العبادة لغير الله، فهو لا يعرف لكلمة التوحيد معنى، ولا يقف لها على مضمون، ولا يعرف لها مقتضى، ومن الناس من يردد بلسانه: لا إله إلا الله، وقد انطلق حراًَ طليقاً ليختار لنفسه من المناهج الأرضية، والقوانين الوضعية الفاجرة، ما وضعه المهازيل من خلق الله! ومن الناس من ردد بلسانه: لا إله إلا الله، وهو لم يحقق لله الولاء ولا البراء، ومن الناس من ردد بلسانه كلمة: لا إله إلا الله، وقد ترك الصلاة! وضيع الزكاة! وضيع الحج مع قدرته واستطاعته، وأكل الربا وشرب الخمر وعاقر الزنا وأكل أموال اليتامى! يسمع الأمر فيهز كتفيه في سخرية وكأن الأمر لا يعنيه! يسمع المواعظ فيهزأ وكأن الأمر لا يعنيه، فلابد من إخلاص التوحيد، فكلمة التوحيد ليست مجرد كلمة يرددها الإنسان بلسانه، بل إن الإيمان: قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه، ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه.
وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل).
وفي رواية عتبان بن مالك: (فإن الله حَرَّمَ على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله).
إنه إخلاص التوحيد، فيا من رددت بلسانك: لا إله إلا الله، هل صدقك قلبك؟! هل امتثلت جوارحك مقتضيات هذه الشهادة؟! فإن التوحيد أمره عظيم، وإن شأن التوحيد ثقيل، إنها الأمانة العظيمة، ووالله ما ضاعت الأمة وزلت إلا يوم أن فرغت: (لا إله إلا الله) من مضمونها، فإن الجذر الحقيقي لهذه الأمة هو التوحيد، ويوم أن فرغ الجذر وأصبح قشرة هشة تؤرجحها الرياح من هنا ومن هنالك ذلت الأمة لمن كتب الله عليهم الذلة من إخوان القردة من أبناء يهود، فإن مصدر سعادة الأمة هو التوحيد، فما أعز الله الأمة إلا بالتوحيد، وإن لبنة الأساس في صرح الإسلام هي التوحيد، وإن أول خطوة على طريق العز والكرامة هي التوحيد، ولا عزة للأمة إلا إذا حققت وأخلصت وجردت التوحيد لله، فمن أبناء الأمة الآن من يذبح لغير الله، ومن يقدم النذر لغير الله! ومن أبناء الأمة الآن من يتهم شريعة الله المطهرة بالجمود والرجعية والتخلف والتأخر! وعدم قدرة هذه الشريعة على مسايرة مدنية القرن العشرين أو القرن الحادي والعشرين! فلا كرامة للأمة إلا إذا أخلصت التوحيد، فأسعد الناس بشفاعة محرر العبيد، من أخلص التوحيد للعزيز الحميد جل وعلا، ومات لا يشرك بالله شيئاً، فوحد الله أيها الحبيب! وأخلص التوحيد لله، وأخلص الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الحديث الذي رواه مسلم والترمذي واللفظ للترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
إنه التوحيد! إنه فضل الإيمان بالله جل وعلا! فأسعد الناس بشفاعة المصطفى من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، فكلمة التوحيد -أيها الأخيار- قد قيدت بشروط ثقال: بالعلم، واليقين، والإخلاص، والقبول، والمحبة إلى آخر شروطها.
فلابد أن تحققوا التوحيد، وأن تخلصوا التوحيد، وأن تجردوا التوحيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع يوم القيامة إلا إن أذن الله عز وجل له، وإلا في كل من وحد الله وأخلص له كلمة: لا إله إلا الله.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من أهل التوحيد، وأن يختم لي ولكم بالتوحيد، وأن يرزقنا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم بمنه وكرمه، إنه على كل شيء قدير.
اللهم استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض، اللهم ارزقنا شفاعة حبيبك المصطفى، اللهم وكما آمنا به ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، اللهم أوردنا حوضه الأصفى، اللهم أوردنا حوضه الأصفى، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً، اللهم اسقنا بيد المصطفى شربة مريئة هنيئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً، اللهم لا تحرمنا شفاعة الحبيب، اللهم لا تحرمنا شفاعة الحبيب، اللهم لا تحرمنا شفاعة الحبيب، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض يا أرحم الراحمين! اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض يا أرحم الراحمين! اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها، يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
اللهم إنا نسألك لإخواننا وأبنائنا الطلاب التوفيق والسداد، اللهم يسر لهم الأسباب، اللهم ذلل لهم الصعاب، اللهم افتح لهم الأبواب، اللهم ذكرهم في الامتحانات ما نسوا، وعلمهم في الامتحانات ما جهلوا، اللهم يسر لهم بمنك وكرمك يا رب العالمين! اللهم اجعل أبناءنا قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.