فالمسألة كلها مسألة رحمة؛ لأن ربنا لو يحاسبنا على الذنوب التي نعملها فنحن لسنا بجيدين حقيقة، سواء الكبير منا أو الصغير أو الرجال أو النساء أو المدعي الإيمان أو غيره، كلنا أعمالنا عندما تزنها بميزان الشرع تجد أن معظم الوقت الذي سيحاسبنا ربنا عليه ضائع فيما لا يرضي الله عز وجل، فأغلب الناس وقته ضائع في لقمة العيش، ولقمة العيش أكثر ما تحصل في زماننا تحصل بالشبهات، نسأل الله السلامة لنا ولكم وللمسلمين، فإن لقمة العيش تحصل بوسائل غريبة.
والناس صارت لا تستحي من الله فلو كان عنده حياء من الله لم يكن ليأخذ منك خمسة جنيهات كي يمشي لك المصلحة، وما كان لأصحاب المهن الذي يأتي ليصلح لك الآلة ألّا يقوم بإصلاحها بشكل تام لكي تستدعيه مرة ثانية، وهذا كله مال حرام، والأموال الحرام لا تُصرف إلا في الحرام، فإنه لا يوجد مال يؤخذ بالحرام فيُصرف بالحلال.
وإن أنفقها في حلال كانت زاده إلى النار يوم القيامة، فقليل من يحصل اليوم على مال ويتحرى مصدره، وعلى سبيل المثال: استخدام تلفون المصلحة من قبل الموظفين فيتصل للبيت ولخالته ولعمته، ولو كان التلفون فيه اشتراك دولي وإلا اشتراك محلي فإنه يتصل بعمته في أسيوط، وبخالته في الإسكندرية، وبأخيه الذي في الكويت، وابن أخته التي في أمريكا وكل هذا على حساب المصلحة، وفي يوم القيامة يقال: من أخذ من حق أخيه دانقاً -والدانق جزء من الدرهم كالفلس أو المليم- أي أنك لا تستطيع أن تشتري به شيئاً.
من أخذ من أخيه دانقاً بغير وجه حق لكن هذا الدانق لا يُعلم كم من الحسنات سيأخذ، فهل تكون بمقدار الحسنات الناتجة عن قول: سبحان الله، أم أنه يساوي سبعمائة صلاة مكتوبة مقبولة، فلا يتهاون الإنسان في حقوق العباد، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: إن الله يقول يوم القيامة: (يا عبادي! ما بيني وبينكم قد غفرته لكم فتغافروا)، وفي رواية الإمام الترمذي قال: (فتصالحوا).
وإن الإنسان لن يرفض حسنة تأتيه يوم القيامة، وخصوصاً إذا كان ذاهباً إلى النار والعياذ بالله، فإذا كان يذهب إلى النار وقيل له: إن فلاناً من الناس عليه لك مئات أو ملايين من الحسنات فإنه سيأخذ ذلك.
فإن الإنسان يوم القيامة يهرب من ابنه ومن زوجته ومن صديقه ومن جاره ومن أبيه ومن أمه، وتقول الأم مذكرة ابنها: يا بني! كانت بطني لك وعاء، وصدري لك سقاء، وحجري لك وطاء، هل من حسنة عندك تنفعني في مثل هذا اليوم؟ فيقول: يا أماه! أنا لا أنكر شيئاً من ذلك، ولكني أشكو مما تشكين منه، أوَ ليس عندك أنت من حسنة؟ فالأمومة في مثل هذا الموقف والبنوة انتهت، والأب يقول للابن: أعطني، فيقول الابن: أعطني أنت يا أبي! أتذكر كم كنت شفيقاً عليك، وباراً بك، وقد خدمتك لغاية ما مت، فيقول له: يا بني! أنا لم أنسَ ولكني أشكو مما تشكو أنت منه، أليس عندك أنت من حسنة؟ يوم يقول فيه عيسى: يا رب! لا أسألك عن مريم بنت عمران وإنما نفسي نفسي، سيدنا إبراهيم الخليل، وسيدنا موسى الكليم وهم من أولي العزم وسيدنا موسى آخذ بإحدى قوائم العرش، ودعوة الأنبياء جميعاً والملائكة في ذلك اليوم: يا رب سلم! يا ربِ سلم.