الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثانية والثلاثون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الحادية عشرة في الحديث عن الجنة.
اللهم! اجعل الجنة مآلنا، ومصيرنا، ومكاننا يا رب العالمين، بدون سابقة عذاب.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، واجعل اللهم جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً.
اللهم تب على كل عاصٍ واهد كل ضال، واشف كل مريض، واشرح صدر كل ذي صدر ضيق، وارحم أمواتنا، وأموات المسلمين.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بمسلم كيداً فاجعل كيده في نحره، وأوقع الكافرين بالكافرين، وأوقع الظالمين في الظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.
اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين.
اجعل هذه الجلسات خالصة لوجهك الكريم، ثقل بها موازيننا يوم القيامة.
اللهم أظلنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم أبعدنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، واسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إن الحديث عن الجنة يشرح الصدور الضيقة، وصدورنا تضيق بالدنيا وما فيها ومن فيها، ومن لم يحزن على نفسه فليحزن على دين الله عز وجل الذي يُستهزأ به عند الكبير وعند الصغير.
فالمسلم يغار على دين الله، والمؤمن القوي هو الذي يغار عندما يرى حرمة من حرمات الله تنتهك، ويحدث في قلبه ثورة، وما عليه عند ذلك إلا أن يحسن المعاملة بينه وبين ربه، وأن يدعو الله مخلصاً له الدين، {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]، بقلب تقي نقي، من الشيطان بريء، ولله ولي، نسأل الله أن ينصر الإسلام وأن يعز المسلمين، وأن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
قلنا من قبل ونكرر كلام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (عجبت للجنة كيف نام طالبها، وعجبت للنار كيف نام هاربها)، فمن يريد الجنة قد نام، ومن يهرب من النار قد نام، مع أن الإنسان لو طلب شيئاً لحث في سبيل الوصول إلى هذا الشيء، ولو خاف من شيء لرفع المحاذير أمامه كي لا يقع ولا يتورط في هذا الشيء، على سبيل المثال: لكي تصل بابنك إلى بر السلامة لغرض المؤهل فإنك تتعب من أجله، وتقوم بتدريسه دروساً خصوصية، وتأتي له بمدرسين جيدين، وتختار له المدرسة الجيدة، وتظل تواصل الليل بالنهار حتى يكبر الابن ويتخرج ويصبح في يده عمل يستطيع أن يأكل منه لقمة العيش، وفي المقابل تحمي نفسك، وابنك، وزوجتك عن كل سوء قد يقع فيه، فهناك محاذير تضعها نصب عينيك لكي لا تقع في المحظور، فهل يا ترى في مسألة الجنة والنار نصنع هذا؟ هل المسلم يصنع ما يرضي الله عنه حتى يدخل الجنة، ويبعد عن كل ما يغضب الله حتى يبتعد أيضاً عن النار؛ لأننا قلنا: إن الله عز وجل لن يدخل أحداً الجنة بعمله ولكن دخول الجنة برحمة الله عز وجل، فكلنا تحت عنوان: {لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:149].