كان الحسن البصري يقول: إن نفسي تفضل الظل على الشمس - انظر إلى هذا الكلام الجميل - فكيف لا تفضل الجنة على النار! أي: عندما يلاقي الإنسان الشمس يقول: نار، حر، الحرارة هذا اليوم مرتفعة، هكذا تنبأ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر من علامات الساعة الصغرى أن يصير الولد غيظاً، وأن يصير الشتاء قيضاً، صدقت يا رسول الله! وقد تحقق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
ومعنى: (أن يصير الولد غيظاً)، أي: أن الولد يغيظ والديه، فبعدما كان الولد رحمة صار بخلاف ذلك، والشخص يفرح إذا ولد له ثلاثة أو أربعة أو خمسة أولاد، فيقول: هؤلاء أستند عليهم عندما أشيخ، والآن الذي عنده ولد أو اثنان تجده يقول: كفاية! ويقول: يقولون لنا هكذا في التلفزيون، وهذا من الضحك على الناس، فكثرة الذرية من أسباب الرزق، فاحذر أن يلبس عليك من يقول: المصروف على اثنين غير المصروف على خمسة، من الذي قال لك هذا؟ أأنت الذي ترزق أم الرزاق هو الله؟ وأنت عند أن تخاطب الله تقول: يا حنان يا منان! فهل تعرف ما معنى (منان)؟ معناه: يعطي النوال قبل السؤال، يعني قبل أن ينزل ابنك من بطن أمه يكتب له رزقه ولست أنت الذي ترزقه، والله لا تستطيع أن ترزق نملة! وقد مرت معنا قصة النبي سليمان مع النملة، وقولها له: ستنسى، وإذا اعتمدت عليك سأضيع، لكني أعتمد على رزاق لا ينسى.
والواحد منا أحياناً من كثرة المشاكل يمكن أن ينسى أهل بيته وعياله، لكن الله لا ينسى مؤمناً ولا كافراً، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64] أي: لا يمكن أن يقول: رزق اليوم ليس ضرورياً للناس، لهم الهواء، لا يحصل هذا، أو يقول مثلاً: أهل رومانيا أو أصحاب الدول الملحدة لا تطلع عليهم الشمس، ولا يذهب لهم الهواء، معاذ الله، فالله حنان منان كريم، سبحانه وتعالى، يزرق العباد وهم يعصونه، اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين يا رب العالمين.
فالإنسان العاقل العادي يفضل الظل على الشمس، إذاً: فهل من العقل أن يفضل الجنة على النار، كان سيدنا عيسى يقول: كم من شخص مليح ووجه صبيح في النار يطيح، ولذلك تجد من أهل النار - والعياذ بالله - الجعظري الجواظ، قالوا: من الجعظري يا رسول الله؟! قال: الجعظري الممتلئ جسداً الخاوي داخلاً، أي: عندما تلقاه تهاب منظره، وتقول: هذا الشخص محترم، فعند أن يتكلم يفتضح، تكلموا تعرفوا، فالمرء مخبوء تحت لسانه.
ولذلك لما دخل الأحنف بن قيس حليم العرب على معاوية، ومعاوية كان يسمع عن الأحنف، فيقول: أريد أن أرى هذا الرجل، وضرب به المثل في الحلم، فقالوا له: الأحنف في الباب يا أمير المؤمنين! قال: أدخلوه، فدخل الرجل وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! قال: وعليكم السلام، قال: أنا الأحنف بن قيس، فنظر معاوية إليه فوجده قصيراً أعور دميم الخلقة، وكأن لسان حال سيدنا معاوية يقول: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أي: أحياناً تسمع بأناس ولا تحب أن تراهم، فـ الأحنف أحد كبار العرب وزعماء المسلمين رضي الله عنه، فنظر إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين! ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور ضعاف الطير أطولها عناقاً وما طال البزاة ولا الصقور ضعاف الطير أكثرها فراقاً وأم الصقر مقلاة نزور لقد طال البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعير يصرفه الفتى في كل وقت ويحبسه على الخسف الجرير ضعاف الأسد أكثرها زئيراً وأصرمها اللواتي لا تزير الأسد تجده يهاب وهو صامت، بينما الكلب تجده ينبح وهو بعيد عن بيته، فلا يهاب ولا يخاف.
يقول الله عز وجل: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105] والمتكبر السمين الذي هو ضخم الجثة، صاحب كرش كبير، قد امتلأ من الحرام والعياذ بالله، هؤلاء إذا مروا على الصراط يدوسهم الناس كالذر يوم القيامة، فهذا حال الضخم السمين العظيم الجثة الذي تخاف منه؛ لأنه ما كان يقيم لله وزناً في الدنيا، سبحان الله!